للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

رَبِّهِمْ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} (١).

اختلف القراء في قراءة (يعملون) فمنهم من قرأها بتاء الخطاب، ومنهم من قرأها بياء الغيبة (٢)، وقد ذكر ذلك ابن عاشور في تفسيره فقال: " قوله: {وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ} قرأه الجمهور بياء الغيبة والضميرُ للذين أوتوا الكتاب أي: عن عملهم بغير ما علموا فالمراد بما يعملون هذا العملُ ونحوه من المكابرة والعناد والسفه , وهذا الخبر كناية عن الوعيد بجزائهم عن سوء صنعهم لأن قول القادر ما أنا بغافل عن المجرم تحقيق لعقابه إذ لا يحول بين القادر وبين الجزاء إلاّ عدم العلم فلذلك كان وعيداً لهم ووعيدُهم يستلزم في المقام الخطابي وَعْداً للمسلمين لدلالته على عظيم منزلتهم فإن الوعيد إنما ترتب على مخالفتهم للمؤمنين فلا جرم أن سيلزم جزاء للمؤمنين على امتثال تغيير القبلة، ولأن الذي لا يغفل عن عمل أولئك لا يَغفل عن عمل هؤلاء فيجازي كلاً بما يستحق.

وقَرأه ابنُ عامر وحمزة والكسائي وأبو جعفر ورَوْح عن يعقوب بتاء الخطاب فهو كناية عن وعد للمسلمين على الامتثال لاستقبال الكعبة , ويستلزم وعيداً للكافرين على عكس ما تقتضيه القراءة السابقة؛ وعلى القراءتين فهو تذييل إجمالي لِيأخُذ كلٌّ حظهُ منه " (٣).


(١) سورة البقرة، الآية (١٤٤).
(٢) وهاتان قراءتان متواترتان. انظر التيسير / الداني، ص ٧٧، ومتن الشاطبية / الشاطبي , ص ٧٠ والنشر في القراءات العشر، ج ٢، ص ١٦٨.
(٣) التحرير والتنوير، ج ٢، ص ٣٤.

<<  <   >  >>