الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على أشرف الأنبياء والمرسلين نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين ..
أما بعد:
فقد نزل القرآن بلسان عربي مبين، لم تشبهه عجمة، ولم يكدره لبس، عجز بلغاء العرب وفصحاؤهم عن الإتيان بمثله، سره في يسره، وإعجازه في وفائه، فأذعن البلغاء لبلاغته، وركن الحكماء إلى حكمته، وأدهشت علماء التشريع أحكامه.
ما أقبلت عليه أمة تلاوة وعملاً فذلت، ولا أدبرت عنه أمة فعزت، ولو ابتغت في الأرض نفقاً، أو اتخذت في السماء سلماً.
أقبل عليه العلماء منذ نزل يتدبرون آياته، ويستنبطون أحكامه، ويستلهمون هداياته، ويعلمون أذهانهم في استنباط معانيه، وما زالت معانيه تفيض وبحاره تتجدد.
وها نحن بعد قرون وقرون نرى عزم العلماء يتجدد، وعطاؤهم يتمدد، وكأن معاني القرآن لا تزال بكراً لم تطمث من قبل، بل ما زالوا يعملون أذهانهم في التفسير وأصوله الترجيح وقواعده، على تفاوت بينهم.
وابن عاشور طبري زمانه علماً، وزمخشري أوانه بلاغة، يعني بقواعد التفسير والاستنباط، بل قواعد الترجيح والاختيار عناية ظاهرة، كيف لا والبلاغة صبغة تفسيره، وكشف المعاني البلاغية الدقيقة ديدنه، فلا عجب أن يكون لهذه الكنوز أبواب ومداخل ولها ضوابط وقواعد.