أَقْصُدُ وَأَخَذَتْنِي السَّمَاءُ بِغَيْثٍ مُتَدَارِكِ فَدَفَعْت إِلَى بَابٍ وَعَلَيْهِ رَوْشَنٌ لَطِيْفٌ وَسَمِعْتُ نَغْمَةً رَخِيْمَةً وَرَاءَ البَابِ تُعَاتِبُ أُخْرَى وَهِيَ تَقُوْلُ فَعَلْتِ وَفَعَلْتِ فَقَالَتْ لَهَا الأُخْرَى بِنَغْمَةٍ رَخِيْمَةٍ جُعِلْتُ فِدَاكِ إِنْ كُنْتُ أَسَأْتُ فَاغْفِرِي وَاحْفَظِي فِي بَيْتَيْنِ لإبْرَاهِيْمِ السُّوَيْقِيِّ مَوْلَانَا فَقَالَتْ: نَعَمْ يَبْلِغُنِي أَنَّ عِنْدَهُ أَشْعَارًا لَطِيْفَةً فَأَنْشَدَتْهَا قَوْلي: هَبيْنِي يا مَعَذِّبَتِي أَسَأْتُ. البَيْتَانِ. فَقَالَتْ: ظَرُفَ وَاللَّهِ وَأَحْسَنَ، قَالَ أَبُوْ إِسْحَاقَ فَلَمَّا سَمِعْتُ شِعْرِي وَذِكْرِي وَقَوْلهَا مَوْلَانَا عَلِمْتُ أَنَّهَا بَعْضُ نِسَاءِ المَهَالِبَةِ فَفَتَحْتُ البَابَ وَهَجَمْتُ عَلِيْهِمَا فَصَاحَتَا مَا وَرَاءَكَ يا شَيْخُ؟ فَقُلْتُ: لا تَحْتَشِمِي فَإِنِّي عَبْدُكِ وَمَوْلَاكِ أَنَا إِبْرَاهِيْمُ السُّوَيْقِيِّ فَباللَّهِ وَبِحَقِّ حُرْمَتِي مِنْكِ إِلَّا مَا شَفَّعْتِيْنِي فِيْهَا وَوَهَبْتِ لِي ذَنْبُهَا فَأَنَا الَّذِي أَقُولُ (١):
خُذِي بِيَدِي مِنَ الحُزْنِ الطَّوِيْلِ ... فَقَدْ يَعْفُو الخَلِيْلُ عَنِ الخَلِيْلِ
أَسَأْتُ فَأَجْمِلِي تفْدِيْكِ نَفْسِي ... فَمَا يَأْتِي الجمِيْلُ سِوَى الجمِيْلِ
فَقَالَتْ: قَدْ فَعَلْتُ. ثُمَّ قَالَتْ: أَبَا إِسْحَاقَ مَا هَذِهِ الهَيْئَةُ الرَّثَّةُ؟ فَقُلْتُ: يَا مَوْلَاتِي تَعَدَّى عَلَيَّ الدَّهرُ وَأَضَرَّ بِي الفَقْرُ وَكَسَدَتْ صِنَاعَتِي وَكَثُرَتْ عَائِلَتِي. فَقَالَتْ: عزَّ عَلَيَّ ذَلِكَ وَأَوْمَأَتْ إِلَى الأُخْرَى فَضَرَبَتْ بِيَدِهَا إِلَى كُمِّهَا فَشَالَتْ مِنْهُ دُمْلُجًا مِنْ سَاعِدَيْهَا ووثبت بِالأُخْرَى فَشَالَتْ دُمْلُجًا آخَرَ ذَهَبًا وَقَالَتْ: يَا إِسْحَاقَ خُذْهُمَا وَاقْعُدْ عَلَى البَابِ فَخَرَجْتُ هُنَيْهَةً فَإِذَا الجارِيَةُ قَد خَرَجَتْ وَمَعَهَا مِنْدِيْلٌ فِيْهِ خَمْسَةُ أَثْوَابٍ وَصِرَّةً فِيْهَا أَلْفُ دِرْهَمٍ وَقَالَتْ: مَوْلَاتِي تَقُوْلُ لَكَ: أَنْفِقْ هَذِهِ فَإِذَا احْتَجْتَ فَصِرْ إِلَيْنَا يُعَوِّضُكَ اللَّهُ. فَأَخَذْتُ ذَلِكَ وَعُدْتُ إِلَى البَيْتِ فَلَمَّا فَتَحْتُ البَابَ صَاحَتِ امْرَأَتِي جِئْتَ بِشُؤْمِكَ يَا خَبيْث فَطَرَحْتُ الثِّيَابَ وَالدَّرَاهِمَ وَالدُّمْلَجَيْنِ بَيْنَ يَدَيْهَا فَبهتَتْ وَقَالَتْ: مِنْ أَيْنَ لَكَ هَذَا؟ قُلْتُ: مِنَ الشَّيْءِ الَّذِي تَشَاءَمْتِ بِهِ وَزَعِمْتِ أَنَّهَا صِنَاعَةٌ لا تُجْدِي. فَقَالَتْ: قَدْ كَانَ عِنْدِي أَنَّ صِنَاعَتَكَ هَذِهِ فِي غَايَةِ الشُّؤْمِ وَهِيَ اليَوْمَ عِنْدِي فِي غَايَةِ البَرَكَةِ.
١٦١٩٩ - هبَةُ السِّكِّيْنِ فيْمَا زعَمُوا تَقْطَعُ الْوَصْـ ... ـلَ منَ الَوجْهِ الحَسَنْ
(١) البيتان في العقد الفريد: ٦/ ٢٢٦.
مشروع مجاني يهدف لجمع ما يحتاجه طالب العلم من كتب وبحوث، في العلوم الشرعية وما يتعلق بها من علوم الآلة، في صيغة نصية قابلة للبحث والنسخ.
لدعم المشروع: https://shamela.app/page/contribute