إضافة إلى هذا أدرك كثير من الشباب الإسرائيلي أن الدولة الصهيونية ليست في حالة دفاع عن النفس كما يقولون وإنما هي دولة عدوانية. ففي حرب لبنان على سبيل المثال أعلنت المؤسسة العسكرية أن الهدف من عملية سلام الجليل هو هدف دفاعي حتمي لوقف ما يسمونه الهجمات الفدائية وتطهير مساحة ٦٧ كيلو متراً مربعاً من لبنان. ثم ظهر أن الهدف الحقيقي كان هو فرض حكومة وظيفية عميلة في لبنان تحت حماية إسرائيل، أي أنها لم تكن حرب خيار فُرضت على المستوطنين وإنما حرب دخلوها بملء إرادتهم. وقد أدَّى هذا إلى تداعي الإجماع القومي الإسرائيلي. كما أن استمرار الاحتلال في الضفة الغربية لما يزيد على عشرين عاماً كان من الصعب الدفاع عنه باعتباره دفاعاً عن النفس.
ومع تراجُع احتمالات الحرب بين العرب والمستوطنين الصهاينة (بعد توقيع شتى معاهدات السلام) أصبح الحديث عن العمليات العسكرية الإسرائيلية باعتبارها دفاعاً عن النفس أمراً مستحيلاً. ولا شك في أن زيادة معدلات العلمنة والعولمة والسعار الاستهلاكي لا تساعد كثيراً على تصعيد روح القتال. كما أن جو الخصخصة العام السائد في إسرائيل يزيد تمركز الفرد حول نفسه ويجعله يضع نفسه قبل المجتمع.
ويمكن هنا أن نورد هذه الواقعة مثالاً لما يحدث للشباب في إسرائيل. يمثل إسرائيل في مهرجان اليوروفيزيون ممثلة تُسمَّى «دانا» ولكن دانا هذه ليست امرأة حقيقية أصلاً، ولكنها كانت في الأصل رجلاً شاذاً من أصل يمني يُسمَّى بارون كوهين ثم أجرى عملية جراحية في لندن تحول بعدها إلى امرأة. وهو/هي شخصية تحظى بشعبية كبيرة غير عادية. وتحول امرأة إلى رجل (والعكس) مسألة تحدث الآن في مجتمعات كثيرة، ولكن حين يتحول الفعل الفردي إلى رمز قومي هنا يجب أن ندرس المسألة باعتبارها قضية اجتماعية وليس سلوكاً فردياً.