وقد زاد فشل المغامرة من هجوم الحركة الصهيونية على فريدمان. والملاحَظ أن هذه الانتقادات انصبت على شخص فريدمان ولم تتعرض لعملية الاستيطان نفسها أو لفكرة اغتصاب أرض يملكها الغير. وكان هؤلاء المعارضون هم أنفسهم الذين أعطوا هرتزل فيما بعد كل تأييدهم حين بدأ الدعوة لمغامرة مماثلة تهدف لاستعمار فلسطين وإقامة "الوطن القومي اليهودي" على أرضها.
بول فريدمان (١٨٤٠-١٩٠٠ (Paul Friedmann
صهيوني توطيني. وُلد في ألمانيا لعائلة يهودية كان أحد أفرادها زعيماً للطائفة اليهودية في برلين. وقد اعتنق المذهب البروتستانتي حيناً، ولكنه عاد إلى اعتناق اليهودية مرة أخرى. قام برحلات متعددة إلى العواصم الأوربية، واهتم بأحوال أعضاء الجماعات اليهودية في هذه البلدان ولا سيما اليهود الروس، وتوصَّل إلى الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة ومؤداها أن حل ما يُسمَّى المسألة اليهودية لن يتم إلا عن طريق نقل اليهود (باعتبارهم شعباً عضوياً منبوذاً) إلى بقعة خارج أوربا لإقامة دولة يهودية فيها تحت رعاية دولة غربية. ثم مضى إلى أبعد من ذلك، فقاد في عام ١٨٩١ مغامرة لتوطين عدد من اليهود الروس في «إقليم مدين» الواقع على الشاطئ الغربي لشبه الجزيرة العربية وإقامة دولة يهودية هناك، فيما عرف باسم «مشروع مدين» . إلا أن المغامرة مُنيت بالفشل الذريع نظراً لمعارضة الدولة العثمانية للمشروع خوفاً من عواقبه الوخيمة على مصالحها، وإحجام زعماء الحركة الصهيونية والأثرياء اليهود عن دعم المشروع لتشككهم في جديته، فضلاً عن انفراط عقد المستوطنين أنفسهم من جراء النظام الصارم الذي فرضه فريدمان عليهم، وهو ما أدَّى إلى مصرع بعضهم، وكذلك إلى عدم اقتناعهم بشخصية فريدمان نفسه الذي كان يَغلب عليه الإحساس بجنون العظمة.