في سياق تطبيق الصيغة الصهيونية الأساسية المتمثلة في حل ما يُسمَّى «المسألة اليهودية» عن طريق نقل اليهود إلى بقعة خارج أوربا لإقامة دولة يهودية فيها تحت رعاية إحدى القوى الاستعمارية، سعى الرحالة الصهيوني بول فريدمان إلى البحث عن بلاد ضئيلة السكان لتكون مسرحاً لعملية الاستيطان اليهودي، واختار لهذا الغرض ما يُسمَّى «إقليم مدين» الواقع شمال غربي الجزيرة العربية، والمتاخم لمدينة العقبة الأردنية، وعمل على الاتصال بالزعماء اليهود والحاخامات والشخصيات البارزة لتدعيم المشروع. كما تقرَّب إلى جمعية قديما والجمعية الأنجلو يهودية وجمعية الأليانس في باريس وفيينا، وحاول استمالة البارون دي هيرش لتمويل المشروع. ومن ناحية أخرى، سعى فريدمان إلى توفير مظلة دولية لمشروعه فقابل اللورد كرومر في لندن عام ١٨٨٩ وأكد له الأخير أن الحكومة البريطانية لن تعرقل خطواته.
وفي عام ١٨٩٠، قام بزيارة مصر لدراسة أوضاع أرض مدين والحصول على موافقة الحكومة المصرية على المشروع حيث كان الإقليم خاضعاً لإشراف حاكم مصري في السويس. وبعد عودته إلى برلين، نشر عام ١٨٩١ كتيباً بعنوان أرض مدين وصف فيه أحوال الإقليم واقتصادياته وطبيعة السكان والمناخ، وعدَّد مزايا الاستيطان اليهودي في تلك الأرض التي زعم أنها كانت في الماضي جزءاً من المملكة اليهودية القديمة. وعمل فريدمان على إرسال الكتيب إلى عدد من السياسيين ورجال الدولة في أوربا لحثهم على ممارسة نفوذهم لإقناع أكبر عدد من اليهود بالهجرة إلى مدين.