وعلى صعيد الاستيطان، أسس جابوتنسكي في هذه الفترة منظمة عمالية صهيونية تنافس الهستدروت وتُسمَّى «الهستدروت القومي للعمال» ، كان مستعداً للتعاون مع مشاريع رؤوس الأموال الخاصة لإقامة مجتمع صهيوني طابعه العام رأسمالي. والواقع أن جابوتنسكي صهيوني دبلوماسي (يهودي غير يهودي) ، لا تختلف صهيونيته أبداً عن صهيونية الغرب الاستعماري التي تدور في إطار فكرة الشعب العضوي وتنظر لليهود باعتبارهم شعباً عضوياً منبوذاً. وينطلق جابوتنسكي من الفكر القومي العضوي، فالأمة كيان عضوي مستقل وقيمة مطلقة صافية لا تشوبها أية شوائب ولا تحتاج إلى أية نقط مرجعية خارجها، فهي مطلق مكتف بذاته يجب أن تُستبعَد كل العناصر الأخرى الدخيلة مثل الدين والاشتراكية (شأنها شأن القوميات في العالم الغربي آنذاك التي لا تحتاج إلى أي تبرير أو منطق خارجي، ووجودها العضوي هو المبرر الوحيد) . ولهذا، لجأ جابوتنسكي إلى ما سماه «الصهيونية بدون صفات إضافية» ، أي القومية اليهودية دون ديباجات أو تبريرات.
ويرفض جابوتنسكي الدين اليهودي تماماً، فهو يدور في إطار الحلولية بدون إله، ولذا فقد صرح بأن الشعب اليهودي هو المعبد الذي يتعبد فيه. وهو على كلٍّ لم يكن يعرف اليهودية بقدر كاف، وكان يرى أن الصهيونية يجب أن تظل بمنأى عن اليهودية وألا تبتلع إلا أصغر جرعة منها. ولكنه، بطبيعة الحال، لم يمانع في مرحلة لاحقة (بعد عام ١٩٣٢) في توظيف الدين في خدمة الصهيونية. كما رفض جابوتنسكي الموروث الإثني كمصدر للهوية على عكس دعاة الصهيونية الإثنية، ولذا فقد ذهب إلى إمكان الاستغناء عن هذا الموروث تماماً. بل إنه يذهب إلى أن الموروث الحضاري لليهود "هو الحضارة الغربية نفسها"، فاليهود مُستوعَبون تماماً في الحضارة الغربية.
ولكن ما مصدر خصوصية اليهود؟ يرى جابوتنسكي أن ثمة مصدرين أساسيين: