للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

توجَّه هرتزل، إذن، للشعب ولكنه كان يرفض النزعات الصهيونية السابقة عليه، فصهيونية أثرياء يهود الغرب المندمجين (صهيونية الإنقاذ التي تأخذ شكل صدقات) غير صالحة لأن المشروع الصهيوني مشروع ضخم يتجاوز الجهود الفردية. أما بالنسبة للتسلل، فقد ساهم الصهاينة التسلليون ولا شك في إلقاء الضوء على فكرة تأسيس الدولة (وهي أحد عناصر الصيغة الصهيونية الأساسية الشاملة) ، كما أن أخطاء التسلليين أثناء الممارسة قد تفيد في تنفيذ المشاريع الضخمة المقبلة. ولكن التسلل، مع هذا، بَذَر الشك في نفوس الناس بشأن المشروع الصهيوني ككل، كما أنه اتسم بالرومانسية، فالمتسللون من أحباء صهيون يظنون أن خروج اليهود سيتخذ شكل تَرْك الحضارة والسكنى في الصحراء. لكن الأمر ليس كذلك إذ أن كل شيء سيتم في إطار الحضارة (الغربية) . وقد شبَّه نوردو وهرتزل التسلليين بالبوكسرز الذين قاموا بثورة رومانسية في الصين وأرادوا التصدي للزحف الغربي بالوسائل التقليدية. وتتجلَّى سطحية هرتزل وبرجماتيته في اعتراضه على التسلل باعتبار أنه سيؤدي إلى رفع أسعار الأراضي (فالسمسار في داخله لا يهدأ له بال) ، ثم يبين بعملية حسابية عبث الحلول التسللية قائلاً: "لو افترضنا أن عدد يهود العالم هو تسعة ملايين [كانوا عشرة ملايين في واقع الأمر] ، وإذا كان بإمكاننا إرسال عشرة آلاف يهودي كي يستعمروا فلسطين سنوياً، فهذا يعني أن المسألة اليهودية ستُحَّل بعد تسعمائة سنة". ومن هنا، فقد شبه التسلليين بمن يريد نزح المحيط بواسطة دلو.

<<  <  ج: ص:  >  >>