والعقيدة الألفية، في كل مفاهيمها، تدور حول تجسُّد الإله في التاريخ بشكل فعلي فجائي، وحول تَدخُّله فيه حتى يمكن مشاهدته في آثاره الفعلية، وفي كل الشواهد المادية التي يمكن إدراكها بالحواس الخمس الآن وهنا في مملكة الأرض، أي أنها رؤية مادية للواقع. وقد استفاد الألفيون من التأملات القبَّالية الخاصة بحساب نهاية الأيام وموعد وصول الماشيَّح. وبهذا المعنى، تكون العقيدة الألفية تعبيراً عن تهويد المسيحية.
وقد أدركت الكنيسة الكاثوليكية منذ البداية خطورة العقائد الألفية (التي حملت راياتها العناصر الغنوصية واليهودية والوثنية الشعبية) على العقيدة المسيحية. وقد وصفت الكنيسة العقيدة الألفية بأنها "عقيدة على طريقة اليهود" أي تشبه الفكر المشيحاني اليهودي. وقد حاول القديس أوغسطين محاصرة ذلك المفهوم الواحدي الكوني المعادي للتاريخ والحدود، وحاول أن يحاصر الحلولية التي يَصدُر عنها ويحوِّلها إلى ما نسميه «حلولية مؤقتة شخصية منتهية» تحققت في لحظة نزول الإله باعتباره الابن ثم صلبه وقيامه، ومع قيامه تنتهي اللحظة الحلولية ويُستأنَف التاريخ الإنساني. وقد بيَّن القديس أوغسطين أن الكنيسة الكاثوليكية هي مملكة المسيح، وأنها التجسيد التام للعصر الألفي، وأنها حالة روحية وصلت إليها الكنيسة في عيد العنصرة، أي بعد موت وبعث المسيح. وهذا لا يعني انتهاء الفوضى في الطبيعة والتاريخ، بل إن الفوضى ستستمر إلى نهاية الزمان حتى يعود المسيح ثانيةً، وهي العودة التي سوف تتم في وقت لا يمكن التنبؤ به، أي يتم خارج التاريخ (في يوم القيامة) . وقد واكب تلك الرؤية تقديم التفسير المجازي للعهد القديم بحيث تصبح كل القصص والأحداث فيه رموزاً لحالات روحية وأخلاقية.