للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وإذا كانت الاعتذاريات التي تستند إلى فكرة اليهودي الخالص فريدة مقصورة على الصهاينة، فإن الاعتذاريات التي تستند إلى فكرة اليهودي الاشتراكي وحقوقه في فلسطين قد تكون أكثر تَفرُّداً وطرافة. وكما أشرنا من قبل، انضم كثير من الشباب اليهودي إلى صفوف الحركات الثورية، وقد سبَّب هذا حرجاً شديداً لليهود المندمجين. وقد باعت الصهيونية نفسها باعتبار أنها الحركة التي ستحوِّل الشباب اليهودي عن طريق الثورة. والواقع أن أسطورة الاستيطان العمالية برزت لتحقيق ذلك الهدف. تقوم هذه الأسطورة بتسويغ الاستيطان الصهيوني لا باسم التفوق العنصري أو التقدُّم الحضاري الأزلي أو الحقوق المقدَّسة الأزلية بل على أسس اشتراكية علمية (والاشتراكية في هذه المنظومة هي موضع الحلول، وهي أيضاً اللوجوس المتجسد في التاريخ) . ومن ثم، فإن الحقوق اليهودية تستند ـ حسب هذه الأسطورة ـ إلى المثل الاشتراكية العليا (ومنها نُبل العمل اليهودي) . ولم يكن هذا المنطق مقصوراً على الصهاينة وحده، فثمة اتجاه داخل الحركة الاشتراكية الغربية يُطلَق عليه اصطلاح «الاشتراكية الإمبريالية» ، وتضم أولئك الاشتراكيين الذين وجدوا أن من المحتم عليهم (باسم التقدم والأممية) تأييد الإمبريالية الغربية لأنها تعبير عن الرأسمالية الغربية (أعلى مراحل التطور الاجتماعي والاقتصادي الذي بلغه الإنسان) . كما أنهم كانوا يرون أن الإمبريالية، بغزوها آسيا وأفريقيا، ستقضي على كل المجتمعات التقليدية فيها، كما ستقضي أيضاً على التخلف وتجلب الصناعة والتقدم لها. ومن هذا المنطلق، شجع بعض أتباع سان سيمون وكذلك فردريك إنجلز الاستعمار الاستيطاني في الجزائر، كما دافع كثير من الاشتراكيين الهولنديين عن "الهجمة الحضارية" التي شنتها بلادهم على الأندونيسيين.

<<  <  ج: ص:  >  >>