وانطلاقاً من أرضيتنا الحديثة العقلانية المادية، فإن العقل سيقوم بعملية نقدية صارمة لمسلماتنا العقلية وموروثاتنا الثقافية ولن نقبل من التاريخ إلا ما يتفق مع نماذجنا العقلية والمادية، والرؤية التحديثية المادية تُعرِّف «الزمان» و «المكان» و «الآن وهنا» كمقولات مجردة، كصيرورة لا معنى لها، كعلامة على ماديتنا، ولكنها لا تقبل التاريخ أو الذات ولا تعرفهما لأنهما يحتويان مخزوناً لقيم تُغاير ما في واقعنا المادي وما في نماذجنا العقلانية المادية وتتحداها.
وعلى هذا، فإن التحديث (بالنسبة لرورتي وآخرين) هو نسيان نشط للتاريخ والذات، أي أنه تجريد للإنسان من ذاكرته التاريخية بعد أن جُرد من مكانته الأنطولوجية. وهكذا، تم ضرب الذات الإنسانية وتفكيكها تماماً، ولم يبق من الإنسان شيء، لا مقدرته على الإدراك المبدع للواقع ولا الذاكرة التاريخية. ولا غرو أن المشروع التحديثي قد َحوَّل الإنسان من غاية إلى وسيلة. وهناك كثير من آليات التحديث، مثل الدولة المركزية أو السوق القومية أو الترشيد، تستقل عن الأهداف الإنسانية منها (إشباع حاجات الإنسان وتحقيق الكفاية والأمن له ... إلخ) لتصبح غايات وتهيمن على الإنسان ويصبح عليه أن يُذعن لها.
ورغم تصفية الإنسان وتقويضه، فإن الطبيعة (مع هذا) تظل مركز الكون تزوده بمعيارية ويصبح الإنسان مذعناً لها، يصبح هناك كون طبيعي صلب وقوانين طبيعية صلبة. أي أن مرحلة الصلابة مرحلة متمركزة حول اللوجوس الكل الثابت المتجاوز، الإنساني (في البداية) أو الطبيعي/المادي (في النهاية) ، فهو عالم لوجو سنتريك logo-centric.