للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يرى دريدا أن ثمة بحثاً دائباً عند الإنسان عن أرض ثابتة يقف عليها خارج لعب الدوال الذي لا يمكن أن يتوقف إلا من خلال المدلول المتجاوز الرباني (الذي هو أيضاً «ميتافيزيقا الحضور» و «اللوجوس» و «الأصل» ) . وتاريخ الفلسفة الغربية هو البحث عن الأصل، سواء أكان دينياً أم مادياً، لنصل إلى قصة كبرى متمركزة حول اللوجوس وحول المنطوق، أي أن الفلسفة الغربية تتعامل دائماً مع الواقع من خلال نسق مغلق. بل إنه يرى أنه، في أكثر الفلسفات الغربية مادية ونسبية، يظل هناك إيمان ما بالكل المادي المتجاوز ذي المعنى (الحضور) ، واستناداً إلى هذا الحضور يتم تأسيس منظومات معرفية وأخلاقية وجمالية تتسم بشيء من الثبات وتفلت من قبضة الصيرورة، أي أن الخطاب الفلسفي الغربي ظل ملوثاً بالميتافيزيقا ما دام يصر على البحث عن المعنى وعن الثبات. وقد قرَّر دريدا أن «يفكر في الأمر الذي لا يمكن التفكير فيه» وهو أن ينطلق، كفيلسوف، من الإيمان بعدم وجود أصل من أي نوع، ومن ثم يسقط كل شيء بشكل كامل في هوة الصيرورة (أبوريا) وتتم التسوية بين كل الأشياء من خلال مفاهيم مثل الاخترجلاف (الاختلاف/الإرجاء (.

وسيُلاحظ القارئ أن دريدا (ودعاة ما بعد الحداثة) يستخدمون مصطلحات كثيرة تبدو جديدة. فهناك مصطلح مثل «القصة الكبرى» (أي النظرية العامة) و «القصص الصغرى» و «التمركز حول اللوجوس» و «التمركز حول المنطوق» و «الأبوريا» و «الاخترجلاف» . وهي مصطلحات تدَّعي أنها جديدة وهي أبعد ما تكون عن الجدة، فهي تعبِّر عن أفكار ومفاهيم عدمية. فقد يكون المنطوق نفسه جديداً، ولكن المفهوم وراء المصطلح قديم قدم الفلسفة اليونانية القديمة والكتب العدمية مثل سفر الجامعة في العهد القديم (انظر المداخل الخاصة بكل مصطلح في هذا القسم) .

<<  <  ج: ص:  >  >>