للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويُشار إلى «المدلول المتجاوز» أحياناً بأنه «الإله» و «روح العالم» و «المادة» و «الحضور المطلق» و «اللوجوس» . ووجود مدلول متجاوز (مفارق) هو الطريقة الوحيدة لكي نخرج من عالم الحس والكمون والصيرورة ونوقف لعب الدوال إلى ما لا نهاية، ونحرز التجاوز والثبات ونؤسس منظومات فلسفية؛ معرفية وأخلاقية. وكل النظم المتمركزة حول اللوجوس لابد أن تتضمن مدلولاً متجاوزاً لعالم الدلالات: هو الإله في المنظومات الدينية، وهو الكل المادي الثابت المتجاوز في المنظومات المادية، ونشير إليه أيضاً بأنه «المطلق العلماني» . وهو الذي يضمن علاقة الدال بالمدلول. وتتسم العقلانية المادية بوجود مركز فيها، مركز مادي (الإنسان الطبيعي ـ الطبيعة/المادة) ولكنه مركز (مبدأ واحد) يعطي النسق صلابة.

وقد بيَّن نيتشه الميتافيزيقا الكامنة في فكرة المركز والكل والمعنى المتجاوز للصيرورة، وبيَّن أنه رغم موت الإله فإن ظلاله لا تزال جاثمة، وتتبدَّى في مثل هذه الأفكار. ولذا طالب بمحو ظلال الإله من خلال ضَرْب هذه الأفكار وتقويضها عن طريق ضَرْب الدال المتجاوز (المركز ـ الكل) بحيث لا يبقى سوى لعب الدوال بلا مركز ولا كليات ولا معنى. وهذا ما ترمي ما بعد الحداثة إلى إنجازه، فهي تحاول أن تضرب العلاقة بين الدال والمدلول حتى يتحرر الدال تماماً من المدلول. وكما يقول دريدا فإن الدال هو المحسوس والمدلول هو المعقول. وإن ظلت ثنائية الدال والمدلول قائمة فإن هذا يعني أن هناك عالم الدال المحسوس غائص في عالم الصيرورة ولكن يقف إلى جواره عالم آخر، معقول وغير محسوس، عالم المدلول الذي سيفلت بذلك من قبضة الصيرورة. وقد عبَّر دريدا عن هذه الثنائية بقوله إن المدلول المعقول يتجه بوجهه نحو الله، أي إلى عالم الثبات والميتافيزيقا. وما بعد الحداثة تحاول أن توقف هذه السلسلة التي تبدأ بالثنائية وتنتهي عند الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>