ويرى هابرماس أن الحضارة الحديثة تتسم بالتركيز الشديد على التكنولوجيا (كأداة للتحكم) بدلاً من التركيز على الهرمنيوطيقا أو التفسير، وتوسيع نطاق التفاهم والتواصل بين الناس. لكل هذا، تم تهميش الاتجاهات التأملية والنقدية والجمالية في النفس البشرية. ولهذا يرى هابرماس أن هذا التركيز الأحادي (الذي هو في جوهره سيادة العقل الأداتي والواحدية الموضوعية المادية) يعني أن الإنسان لا يستخدم كل إمكانياته الإنسانية (النقدية والجمالية ... إلخ) في تنظيم المجتمع، ويركز على الترشيد على هدي متطلبات النظم الإدارية الاقتصادية والسياسية التي يُفترض فيها أنها ستزيد تحكمه في الواقع. ويؤدي كل هذا بالطبع إلى ضمور حياة الإنسان ويصبح الترشيد هو «استعمار عالم الحياة» ، على حد قول هابرماس.
ومؤخراً أشار المؤلف المسرحي (رئيس جمهورية التشيك) فاكيلاف هافل إلى ما سماه «إسكاتولوجيا اللاشخصي» ، وهو اتجاه نحو ظهور القوى اللاشخصية والحكم من خلال آليات ضخمة مثل المشروعات الضخمة والحكومات التي لا وجه لها والتي تفلت من التحكم الإنساني وتشكل تهديداً كبيراً لعالمنا الحديث. ويبيِّن هافل أنه لا يوجد فارق جوهري بين شركات كبيرة مثل شل وآي. بي. إم. والشركات الاشتراكية الكبرى، فكلها آلات ضخمة يتزايد غياب البُعد الإنساني منها. ولذلك، تصبح مسألة طابع الملكية هنا (أي ما إذا كانت فردية أم اجتماعية، رأسمالية أم اشتراكية) إشكالية غير ذات موضوع.