ومما تجدر ملاحظته أن مصطلحات، مثل:«يهودي» و «صهيوني» و «يهودية» ، قد اكتسبت دلالات جديدة تماماً في السياق الأمريكي. فقد أصبحت العقيدة اليهودية في الولايات المتحدة مرتبطة عضوياً بل تكاد تكون متداخلة مع الصهيونية. ولكن كلاًّ من العقيدة اليهودية والصهيونية أُعيد تعريفه حتى يمكن تحقيق الترادف، فاليهودية ورموزها تمت علمنتها بحيث تحولت إلى ما يشبه عبادة دولة إسرائيل (العجل الذهبي الجديد) ، وقد نجحت الصهيونية في أن تُرسِّخ في ذهن الجميع أن بقاء الدولة الصهيونية شرط أساسي لبقاء اليهودية، وأنها الحصن الوحيد ضد انحلال اليهودية، بل إن بقاء اليهودية نفسها مرهون ببقائها. وكما قال الحاخام ألكسندر شندلر، فإن معظم يهود الولايات المتحدة يتصورون الآن أن الدولة الصهيونية كنيسهم وأن رئيس وزرائها حاخامهم الأكبر. ومن ثم، أصبحت اليهودية انتماءً إثنياً وعرْقياً. وأصبح التعبير عن الهوية اليهودية يأخذ شكل الانخراط في التنظيمات اليهودية ذات التوجه الصهيوني، وفي المظاهرات من أجل تأييد إسرائيل، وكذلك شكل الاعتزاز بالهوية القومية.
ولذا يمكننا القول بأن تصاعد النبرة الصهيونية والحديث المتكرر عن الإثنية اليهودية بين يهود أمريكا ليس تعبيراً عن الانعزال وتماسك الهوية، وإنما هي بمنزلة العكاز الذي يستمد منه اليهودي المندمج نوعاً من الهوية (السطحية التي لا تكلفه شيئاً) يساعده على مزيد من الاندماج (وهو في هذا لا يختلف كثيراً عن أعضاء الأقليات الأخرى الذين ازدادت حدة إثنيتهم مع تزايد معدلات الاندماج بينهم) وعلى فقدان الهوية وعلى تقبُّل علمنة وأمركة حياته.