للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

لكن فكرة حلول الروح الإلهية في اليهود حولتهم إلى أمة من القديسين والكهنة والأنبياء. ومن الملاحَظ أن زوال ثنائية الخالق والمخلوق التي تؤدي إلى التداخل الكامل بين المطلق والنسبي، أو بين الإله والشعب، أو بين الثابت والمتغيِّر، أو بين التاريخ المقدَّس والتاريخ الإنساني سمة بنيوية أساسية في اليهودية. فكتاب اليهود المقدَّس كتاب تاريخ الشعب، كما أن أعيادهم تحتفل بمناسبات كونية ثابتة مثل عودة الربيع وخلق العالم، وبمناسبات تاريخية متغيرة مثل الخروج من مصر. وتتركز الصلوات الدينية المختلفة حول المناسبات القومية التاريخية، كما تأخذ العلاقة مع الإله شكل حوار بين طرفين أحدهما مقدَّس مطلق، والآخر دنيوي نسبي، ومع هذا فالطرفان متساويان. والديانة اليهودية تتسم بوجود شريعتين: واحدة مكتوبة مُرسَلة من الإله، والأخرى شفوية يكتشفها حاخامات الشعب عبر تاريخهم. ومع هذا، فللشريعة الشفوية من الشرعية والصلاحية ما للشريعة المكتوبة، بل إنها تفوقها في الاتساع والشمول والدقة. وظاهرة تعدد الأنبياء في اليهودية تعبير عن حلول الإله في التاريخ، وهو حلول لا يتوقف عند نقطة ما بل يستمر من بداية التاريخ حتى نهايته. وقد كانت هذه الرؤية الحلولية الواحدية كامنة في العصر القديم ثم ازدادت عمقاً في التلمود ـ كتاب اليهودية الحاخامية الأساسي ـ ثم تبلورت وأخذت شكلاً حاداً ومتطرفاً في القبَّالاه التي سيطرت على الفكر الديني اليهودي وعلى المؤسسات الدينية اليهودية ابتداءً من القرن السادس عشر، وورثها المفكرون العلمانيون اليهود ابتداءً من إسبينوزا.

<<  <  ج: ص:  >  >>