كان هؤلاء الكتبة، في بداية الأمر، منفتحين في تطبيقاتهم للشريعة فأدخلوا التفسيرات والتعليقات المختلفة الملائمة لظروف الحياة المتغيرة. واعتمد المفسرون في شروحهم هذه على مفهوم الشريعة الشفهية، التي يُفترَض أنها أُعطيَت لموسى مع الشريعة المكتوبة، كما يُفترَض أن حَمَلَة هذه الشريعة الشفهية هم الحاخامات (بمعنى الفقهاء) . ولكن داخل الإطار الحلولي، يُلاحَظ دائماً أن التفسيرات البشرية تكتسب أهمية تفوق أهمية النص المقدَّس، وهو ما حدث مع الكنيسة، فبمرور الوقت ازدادت تفسيراتهم وشروحهم جموداً وأصبحت أكثر تفصيلاً، وأكثروا من فرض الطقوس والشعائر والأوامر والنواهي التي تتحكم في السلوك الخارجي للإنسان وتُوجه كثيراً من أفعاله التي قد لا تكون ذات علاقة بالقيم الروحية ولا بالدين.
وبسقوط الهيكل عام ٧٠ ميلادية، أصبح يُطلَق على كلٍّ من هؤلاء الكتبة لقب «حاخام» ، وأصبح هؤلاء الحاخامات هم المسئولين ليس فقط عن توجيه الحياة الدينية لليهود بل أصبحوا أيضاً ممثلين للسلطة الحاكمة وقاموا بحكم الجماعة اليهودية في فلسطين وفي غيرها من البلدان.
ب) مجالس الفقه والدراسة:
وقعت مهمتان أساسيتان على عاتق هؤلاء الكتبة، أولاهما: تفسير الشريعة المكتوبة واستخراج التفسيرات والتطبيقات الكامنة والظاهرة فيها، وثانيتهما: تعليم الشباب الذين سيتولون هذه المهمة من بعدهم. وقد جمع كل كاتب متميِّز حوله عدداً من التلاميذ الذين يودون دراسة الشريعة والتراث الشفهي في شكل حلقات دراسية، كما كوَّن كل حكيم مشهور مجموعة التلاميذ المريدين الخاصين به. وترك بعض هؤلاء الحكماء بصمتهم الواضحة على طلابهم وكذلك تفسيرهم الخاص للشريعة، وكان أشهرهم هليل وشماي.