للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جمع بيرديشفسكي بعض الأساطير الحسيدية، واهتمامه بالحسيدية رغم تمرُّده على التراث اليهودي يَصلُح مدخلاً لفهم فكره الصهيوني. فهو يعيد تقييم اليهودية ويذهب إلى أن اليهودية القديمة إنما هي في واقع الأمر العبادة اليسرائيلية القربانية الوثنية، التي تدور حول عبادة الطبيعة والكون والأصنام، وأن الطبقة التوحيدية (التوراتية) دخيلة على هذه العقيدة. وفي كتابه سيناء وجيرزيم، يذهب بيرديشفسكي إلى أن الجبل المقدَّس ليس جبل سيناء، وأن مؤسس العقيدة اليسرائيلية هو يوشع بن نون وليس موسى. فكأن بيرديشفسكي يطالب بالعودة إلى الوثنية الحلولية القديمة كطريقة للتحرر من اليهودية الحاخامية. فالبعث القومي بعث كوني وثني حلولي، وعلى اليهود أن يرفضوا عبوديتهم الظاهرة التي حوَّلتهم إلى أمة من الرجال الذين نضبت قواهم الطبيعية واستوُعبوا في يهودية مجردة خالية من الحياة. عليهم العودة إلى يهودية جديدة: يهودية تضع اليهودي قبل اليهودية وإسرائيل قبل التوراة، وتعيش في وئام مع الطبيعة، وتتغنى بنشيد الأنشاد الذي يحتفي بالجسد وبنشيد داود الذي يتغنى بالطبيعة السامية التي لا حدود لها، الطبيعة التي هي منبع كل شيء، منبع كل ما يحيا وروحه. هذه الوثنية الجديدة ترى أن جوهر الحياة هو السيف، بل هو تجسيدها في أعرض خطوطها المادية والجوهرية إذ حل السيف محل التوراة. وهذه العودة للطبيعة هي برنامج بيرديشفسكي لإصلاح اليهود واليهودية، وعلى حد قوله فإن الشعب المقدَّس سيصبح الشعب الحيّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>