ومن قصائد هذه المرحلة قصيدة «الملك صدقياهو في السجن» ، وهي مونولوج درامي يعبِّر عن احتجاج آخر ملوك يهودا ضد روحانية الأنبياء التي قضت على حياة اليهود العادية والطبيعية وعلى وجودهم السياسي. وهذا الموضوع كامن ومتكرر وأساسي في الأدبيات الصهيونية ذات الطابع النيتشوي.
وقد أخذت الموضوعات الصهيونية تظهر على السطح بشكل أكثر تزايداً ووضوحاً، ففي قصيدة «لمن أعمل» يُلاحظ الشاعر أن مُثُل حركة التنوير أدَّت إلى اندماج الشبان اليهود في مجتمعهم. وهذا تناقُض كامن في حركة التنوير العبرية، فهي تدعو إلى الاندماج في المجتمع، وفي الوقت نفسه تدعو إلى بعث العبرية التي تعزل المتحدثين بها عن مجتمعهم. ولذا، نجد أن هذا الداعية للتنوير يقول «من بوسعه أن يخبرني عن المستقبل، لعلي آخر شعراء صهيون ولعلك آخر القراء» .
وبعد تعثُّر التحديث في روسيا عام ١٨٨١، نبذ جوردون مُثُل الاندماج ولكنه لم يتبن فكرة هجرة اليهود. وفي قصيدته «أختي روحاماه»(١٨٨٢) ، يدعو جوردون اليهود إلى الهجرة ولكنه يرى أن الهجرة يجب أن تكون إلى الولايات المتحدة لا إلى فلسطين العثمانية. وقد وصل جوردون إلى صيغة صهيونية تشبه الصيغة الآحاد هعامية «لن يتحقق خلاصنا إلا بعد خلاصنا الروحي» . وقد أشار آحاد هعام إلى دَينه الفكري لجوردون. وجوردون هو الذي أشاع عبارة «يابيت يعقوب هلم فلنسلك في نور الرب»(أشعياء٢/٥) التي استخدمها في مقال له عام ١٨٦٦ ونادى فيها بأن يصبح اليهود جزءاً من أوربا. وقد أصبحت فيما بعد شعاراً لأعضاء جماعة البيلو الذين استوطنوا في فلسطين. ولعل هذا يبيِّن التناقض الكامن في مُثُل حركة التنوير اليهودية.