وقد حاول دعاة التنوير إعادة تنظيم الجماعة اليهودية من الداخل، فطالبوا بإلغاء القهال وأشكال الإدارة الذاتية التقليدية، وكانوا في هذا يستجيبون لدعوة الدولة المركزية إلى أن يدين المواطنون لها وحدها بالولاء. ولكن، مع تغيير حياة اليهود الاجتماعية والاقتصادية، أي بعد تحديثهم، كان ضرورياً أن يتم تحديث الديانة نفسها حتى لا ينصرف عنها الشباب اليهودي الذي كان قد بدأ يتساءل عن مدى جدوى وجدية مصطلحات مثل «المنفى» أو «صهيون» أو «العودة» . وقد وجه دعاة التنوير سهام نقدهم إلى التراث القومي الديني اليهودي، فهاجموا فكرة الماشيَّح وأسطورة العودة، وحولوا فكرة جبل صهيون إلى مفهوم روحي أو إلى اسم المدينة الفاضلة التي لا وجود لها إلا بوصفها فكرة مثالية في قلب الإنسان. وأصبح الخلاص هو انتشار العقل والعدالة بين الشعوب غير اليهودية، ولم يَعُد مرهوناً بالعودة إلى أرض الميعاد. وهاجم دعاة التنوير التراث اليهودي الشفوي أو الشريعة الشفوية وكُتبها الدينية مثل التلمود والشولحان عاروخ، وأبقوا على التراث اليهودي المكتوب وحده. وذهبوا إلى أن من حقهم العودة إلى التراث الأصلي نفسه بدون التقيد باليهودية الحاخامية، كما هاجموا الحركات والكتب الصوفية العديدة التي أفرزها التراث اليهودي، مثل الحسيدية وكتب القبَّالاه. وحاولوا أن يُدخلوا نزعة عقلانية على اليهودية، فأحيوا كتابات المفكر العربي (الإسلامي) المؤمن باليهودية موسى بن ميمون الذي كان يطالب منذ العصور الوسطى بإدخال التعليم غير الديني على الدراسات الدينية اليهودية. ويُعَدُّ المفكر الألماني موسى مندلسون، الذي تأثر بأعمال موسى بن ميمون، أباً للتنوير اليهودي. ولكن من الأهمية بمكان تبيان أن حركة الإصلاح الديني التي حققت نجاحاً فائقاً في ألمانيا وانتقلت منها إلى الولايات المتحدة، حيث يشكل اليهود الإصلاحيون والمحافظون الأغلبية الساحقة، فشلت تماماً في شرق أوربا. ولذا،