للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تتعدى العلاقة بين النازية والصهيونية مجرد التماثل البنيوي والتأثير والتأثر الفكريين، إذ أن ثمة علاقة فعلية على مستويات عدة. ولنبدأ بأدناها، وهي كيفية استغلال النازيين للدعاية الصهيونية في الترويج لرؤيتهم. فقد نشر الصهاينة في ألمانيا ذاتها المزاعم الصهيونية الخاصة بالتميز اليهودي العرْقي والانفصال القومي العضوي عن كل أوربا، وذلك حتى قبل ظهور النازيين كقوة سياسية. ففي عام ١٩١٢، قدَّم عضوان في المنظمة الصهيونية مشروعاً بإيعاز من كورت بلومنفلد جاء فيه أنه، نظراً للأهمية القصوى للعمل ذي التوجه الفلسطيني (أي الصهيوني) ، يعلن أن من الواجب على كل صهيوني، خصوصاً من يتمتع باستقلال اقتصادي، أن يجعل الهجرة جزءاً عضوياً من برنامج حياته. وقد سُمِّي هذا القرار «قرار بوزن» ، وأصبح منذ ذلك الحين الإطار العقائدي للصهيونية الألمانية التي تخلت بفضله عن أية أبعاد غير قومية ذات طابع خيري أو توطيني، وأصبحت أيديولوجيا قومية عضوية ذات طابع استيطاني. وكان بلومنفلد خبيراً بالمناورات السياسية، ولذلك نجح في تمرير قراره من خلال ما سماه بعض معارضيه «الأغلبية الطارئة» ، أي عن طريق تقديم مشروع القرار أثناء وجود المؤيدين وغياب المعارضين والحصول على موافقة الحاضرين. وقد اتهمه المعارضون بالمزايدة، وفسَّروا تطرفه على أساس أنه يقبض راتبه من المنظمة الصهيونية وليس من الحكومة الألمانية أو أية هيئة أو مؤسسة ألمانية، وأن هذا يسمح له بأن يتخذ مثل هذه المواقف وأن يمرر مثل هذه القرارات التي لا تعكس وضع يهود (أو حتى صهاينة) ألمانيا أو تطلعاتهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>