للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويميِّز أحاد هعام بين وحش نيتشه الجميل الأشقر القوي المُدافع عن الجسد والعنف (الذي أصبح المثل الأعلى النازي) وبين الإنسان الأعلى اليهودي الذي يُدافع عن القيم اليهودية الخلقية ويقف ضد العنف، وهذا هو الفارق بين النيتشوية الآرية والنيتشوية اليهودية. ولنلاحظ أن أحاد هعام لا يعترض على بنية النيتشوية التي تستند إلى التفاوت بين الناس وإنما على مضمونها وحسب. وحديثه عن الأخلاق اليهودية لا يُغيِّر من البنية في شيء، فالنيتشوية اليهودية مبنية على فكرة تفوق اليهود وتعاليهم على البشر، وهو الأمر الذي يميزهم بحقوق مطلقة، من بينها، على سبيل المثال، حقهم في أن يعودوا إلى الأرض المقدَّسة متى شاءوا ذلك، وأن يؤسسوا فيها مركزاً روحياً إن أرادوا، وأن يستوطنوها ويعمروها أو يخربوها حسبما تملي مشيئتهم، باعتبارهم السوبر أمة أو الأمة الأعلى (وهذا هو جوهر كل المنظومات المعرفية والخلقية العلمانية الشاملة، بل إن أصحاب المنظومة يجسدون المطلق ويصبحون هم المرجعية الذاتية وتصبح إرادتهم هي الحق المطلق) . فإذا جاء الفيلسوف النيتشوي الصهيوني بعد هذا وأضاف زخارف أخلاقية وأصر على أن تكون الدولة الصهيونية تجسيداً للقيم الأخلاقية النبيلة، فإن الزخارف الأخلاقية تظل مجرد زخارف لا علاقة لها بمنطق النسق العام، بينما يظل العنف هو الجوهر والمحك وقانون البنية. وقد أثبتت التجربة التاريخية (من دير ياسين إلى صابرا وشاتيلا وقانا) أن الأبعاد الأخلاقية إن هي إلا زخارف وأقوال وديباجات، وأن وضع المشروع الصهيوني موضع التنفيذ يفترض قتل العرب وسفك دمائهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>