للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ولفهم هذا الجانب، قد يكون من المفيد أن نعرض لآراء المفكر الصهيوني الروسي أحاد هعام في هذا الموضوع، فهو يرى أن نيتشه لم يفهم اليهودية حق الفهم وخلط بينها وبين المسيحية. والعارفون باليهودية، حسب رأيه، سيكتشفون في التو أنه لا توجد أية حاجة لاستحداث نيتشوية يهودية، ذلك أن الجزء العام (أي الجزء الذي يتجاوز الخصوصية الألمانية) من الفلسفة النيتشوية موجود في اليهودية نفسها منذ قرون عديدة. فاليهودية ديانة لم تستند إلى فكرة الرحمة وحدها، ولم تُلزم الإنسان الأعلى اليهودي بالخضوع للجماهير، كما لو كان الهدف الأساسي من وجوده هو مجرد زيادة سعادة الأغلبية. ويمكن أن نضيف عناصر أخرى لم يذكرها أحاد هعام، فالعقيدة اليهودية، مثلاً، أصبحت نسقاً دينياً حلولياً متطرفاً، وهو ما يعني تحوُّل الشعب اليهودي إلى شعب مقدَّس، مكتف بذاته، يحوي مركزه داخله، لا يمكن الحكم عليه بمعايير أخلاقية خارجة عنه. بل إن الشعب اليهودي، حسب التراث القبَّالي، هو امتداد للخالق في الكون. ووجود الخالق ذاته وتوحده بعد تبعثره (كما جاء في التراث الأسطوري القبَّالي) يتوقف على قيام اليهود بممارسة الأوامر والنواهي. ويُبيِّن أحاد هعام أن المقولة الأساسية النيتشوية، الخاصة بتفوق النموذج الإنساني الأعلى على بقية البشر، هي نفسها مقولة يهودية. ولكن أحاد هعام يُحل فكرة الأخلاق محل القوة، ويشير إلى أن نيتشه يشكو من أنه (حتى الآن) لا توجد محاولة واعية لتعليم الناس بطريقة تؤدي لظهور الإنسان الأعلى، وهو ما يعرقل ظهوره. فالإنسان حيوان اجتماعي، ولذا فإن روح الإنسان الأعلى نفسها لا يمكنها أن تتحرر من الجو الأخلاقي الذي تعيش فيه. ويخلص أحاد هعام من هذا التحليل إلى أنه إذا كان الهدف من الحياة هو الإنسان الأعلى، فيجب أن نقبل بارتباط ظهوره بظهور الأمة الممتازة أو الأمة العليا، أي ينبغي أن تكون هناك أمة لها من السمات الذاتية ما يجعلها على استعداد

<<  <  ج: ص:  >  >>