للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وبدأت محاكمة أيخمان في ١١ أبريل عام ١٩٦١ بالقدس المحتلة، حيث وجه إليه المدعي العام الإسرائيلي جدعون هاوزنر تهمة المشاركة في إبادة يهود أوربا، وتولى الدكتور روبرت سرفاتيوس، الذي تخصص في الدفاع عن مجرمي الحرب النازيين، مهمة الدفاع عن أيخمان.

ولم يُنكر أيخمان أو محاميه أياً من الاتهامات الموجهة إليه، ولكنهما ركزا دفاعهما أساساً على أن أيخمان لم يكن سوى موظف في مؤسسة حديثة ضخمة يقوم بتنفيذ الأوامر التي يصدرها إليه رؤساؤه كما كان يُفترض فيه أن يفعل، ولذا فهو مجرد بيروقراطي منفذ للإجراءات دون أن يسأل عن الأهداف، وبالتالي يجب أن يُحاكم على مدى كفاءته أو عدم كفاءته في تنفيذ الأوامر لا على مدى تقييمه الأخلاقي لهذه الأهداف، أي أن أيخمان طالب بأن يُنظر إليه باعتباره إنساناً حديثاً أداتياً يهتم بالإجراءات ويدين بالولاء للمؤسسة التي يعمل فيها ولا يكترث بالقضايا الأخلاقية النهائية. ولكن المحكمة رفضت دفعه، وحكمت عليه بالإعدام.

وكان بن جوريون، رئيس الوزراء الإسرائيلي آنذاك، يهدف من وراء المحاكمة إلى زيادة الوعي اليهودي بين أعضاء التجمع الاستيطاني وأعضاء الجماعات اليهودية في العالم عن طريق تعميق الإحساس بأنهم الضحية الوحيدة وأن الآخرين أو الأغيار (ممثلين في النازيين) لا تأخذهم الرحمة باليهود. ومع هذا، فجرت المحاكمة عدة قضايا لم يكن من أعدوا لها قد انتبهوا إليها:

١ ـ بيَّن أيخمان أن الرؤية الصهيونية لليهود لا تختلف كثيراً عن رؤيته هو، فكلاهما يؤمن بضرورة تهجير اليهود باعتبارهم شعباً عضوياً منبوذاً إلى أرض خاصة بهم، كما أشار أيخمان إلى أن المسئولين طلبوا منه، عند تعيينه في وظيفته، أن يقرأ كتاب هرتزل دولة اليهود، وأنه تأثر به أيما تأثر، وأنه، في هذا، لا يختلف كثيراً عن الزعماء النازيين الذين تأثروا بالفكر الصهيوني وخصوصاً بوبر.

<<  <  ج: ص:  >  >>