وكان كل هذا يعني في واقع الأمر إبادة السكان الأصليين حتى يمكن للمستوطنين البيض الاستقرار في الأرض الخالية الجديدة! وقد تم إنجاز هذا من خلال القتل المباشر، أو نقل الأمراض المختلفة (كأن تُترَك أغطية مصابة بالجدري كي يأخذها الهنود فينتشر الوباء بينهم ويتم إبادتهم تماماً) . وكانت الحكومة البريطانية في عصر الملك جورج الثالث تعطي مكافأة مالية لكل من يحضر فروة رأس هندي قرينة على قتله. واستمرت هذه التقاليد الغربية الإبادية بعد استقلال أمريكا، بل تصاعدت بعد عام ١٨٣٠ حين أصدر الرئيس جاكسون قانون ترحيل الهنود، والذي تم بمقتضاه تجميع خمسين ألفاً من هنود الشيروكي من جورجيا وترحيلهم (ترانسفير) أثناء فصل الشتاء سيراً على الأقدام إلى معسكر اعتقال خُصِّص لهم في أوكلاهوما. وقد مات أغلبهم في الطريق (وهذا شكل من أشكال الإبادة عن طريق التهجير [ترانسفير] ، فهو شكلاً ترانسفير من مكان لآخر ولكنه فعلاً ترانسفير من هذا العالم للعالم الآخر) . ووصلت العملية الإبادية إلى قمتها في معركة ونديد ني Wounded Knee (الركبة الجريحة) عام ١٨٩٠. وكانت الثمرة النهائية لعمليات الإبادة هذه أنه لم يبق سوى نصف مليون من مجموع السكان الأصليين الذي كان يُقدر بنحو ٦.٥مليون عام ١٥٠٠ لدى وصول الإنسان الأبيض، أي أنه تمت إبادة ستة مليون مواطن أصلي (وهو رقم سحري لا يذكره أحد هذه الأيام) ، إذا لم نحسب نسبة التزايد الطبيعي (يُقدر البعض أن العدد الفعلي الذي تم إبادته منذ القرن السادس عشر حتى بداية القرن العشرين قد يصل إلى عشرات الملايين) . وقد تكرر نفس النمط في أستراليا التي كان يبلغ عدد سكانها الأصليين ٢ مليون عند استيطان البيض للقارة في عام ١٧٨٨ لم يبق منهم سوى ٣٠٠ ألف. ولا تزال عملية إبادة السكان الأصليين مستمرة في البرازيل وأماكن أخرى (وإن كان بشكل أقل منهجية وخارج نطاق الدولة) .