للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وثانيها: ربما رغبوا في شراء شيء منه فزادوا في ثمنه فيكون أصلح لهم وللمفلس.

وثالثها: أنه أطيب لقلوبهم وأبعد في التهمة.

ورابعها: أنه ربما كان فيهم من يجد عين ماله فيأخذها.

وظاهر كلام المصنف: أن ذلك غير واجب وهو صحيح؛ لأن ذلك موكول إليه ومفوض إلى اجتهاده وربما أدى اجتهاده إلى خلاف ذلك بأن يرى المصلحة في المبادرة إلى البيع قبل الإحضار ونحو ذلك.

وأما كونه يبيع كل شيء في سوقه. ومعناه: أنه يبيع البز في البزازين، والكتب في الكتبيين، وما أشبه ذلك؛ فلأنه أحوط وأكثر لطلابه ومعرفة ثمنه.

فإن قيل: لو بيع في غير سوقه بثمن مثله ما الحكم؟

قيل: يجوز؛ لأن الغرض تحصيل الثمن.

فعلى هذا يكون قول المصنف رحمه الله: "ويبيع كل شيء في سوقه" معطوفاً على ويحضر (١). ويقدر: وينبغي أن يبيع؛ ليكون كلامه مشعراً بالجواز المذكور. ثم يستأنف: ويُترك له من ماله لأن ذلك واجب.

قال: (ويُترك له من ماله ما تدعو إليه حاجته من مسكن وخادم، وينفق عليه بالمعروف إلى أن يفرغ من قسمه بين غرمائه).

أما كون الحاكم يترك للمفلس من ماله ما تدعو حاجته إليه من مسكن وخادم؛ فلأن ذلك ما لا غنى له عنه فلم يبع في دينه كثيابه وقوته.

وأما كونه ينفق عليه بالمعروف إلى أن يفرغ من قسمه بين غرمائه؛ فلأن ملكه قبل القسمة باق على ذلك.

ولأن (٢) النبي صلى الله عليه وسلم قال: «ابدأ بنفسك ثم بمن تعول» (٣). ومن المعلوم أن فيمن يعوله من تجب نفقته عليه ويكون ديناً عليه كالزوجة. فإذا قُدّم نفقةُ نفسه على نفقتها فكذا تُقدم على حق الغرماء.


(١) في هـ: يحضر.
(٢) في هـ: فلأن.
(٣) أخرجه البخاري في صحيحه (٥٠٤١) ٥: ٢٠٤٨ كتاب النفقات، باب وجوب النفقة على الأهل والعيال، ولفظه: عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «خير الصدقة ما كان على ظهر غنى، وابدأ بمن تعول».
وأخرجه مسلم في صحيحه (١٠٤٢) ٢: ٧٢١ كتاب الزكاة، باب كراهة المسألة للناس. ولفظه عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: « ... فإن اليد العليا أفضل من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول».
وفي (٩٩٧) ٢: ٦٩٢ كتاب الزكاة، باب الابتداء في النفقة بالنفس ثم أهله ثم القرابة.
وأخرجه النسائي في سننه (٤٦٥٢) ٧: ٣٠٤ كتاب البيوع، بيع المدبر. ولفظهما: «ابدأ بنفسك ... ».

<<  <  ج: ص:  >  >>