لها من طغيان الجسد وشهواته، ولم يشرعه لتقاسوا آلام الجوع والعطش فقط؛ ولذلك يقول رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "مَنْ لَمْ يَدَعْ قَوْلَ الزُّورِ والْعَمَلَ بِهِ، فليس للَّهِ حاجَةٌ فِي أَنْ يَدَعَ طَعامَهُ وشَرابَهُ".
شرع الله لنا صيام نهار رمضان، وقيام ليله، فجعله شهر عبادة، بذكر الله وقراءة القرآن، والإكثار من الصلاة، وخاصة صلاة الليل، وجعل ثوابه أعظم الثواب، وفي الحديث الصحيح عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "كُلُّ عَمَلِ ابنِ آدمَ يُضاعَفُ، الحسنةُ بَعَشْرِ أمثالِها إلى سبعمائة ضِعْفٍ، قال الله تعالى: إلَّا الصَّوْمَ، فإنَّه لِي وأنا أجزي به، يَدَعُ شَهْوَتَهُ وطَعَامَهُ مِنْ أَجْلِي: للصائمِ فرحتان: فَرْحَةٌ عِندَ فِطْرِهِ، وفَرْحَةٌ عِندَ لقاءِ رَبِّه، ولَخلوفِ فَمِ الصَّائمِ عِنْدَ اللَّهِ أطيبُ مِنْ رِيحِ الْمِسْكِ".
أيها السادة إني أرى في كثير مِمّا اتخذنا مِنَ العاداتِ في الصَّوْمِ ما يُنافِي حقيقته، بَلْ ما يُحْبِطُ الأجرَ عليه، بل ما يزيد الإنسان به إثمًا، فَهِمنا أن معنى قيام الليل، سهر الليل، فصرنا نسهر في القهوات والنوادي، لا نفكر إلّا في اللهو واللعب إلى ساعة متأخرة من الليل، ثم نأكل ما شاء الله أن نأكل، ثم نصبح مرهقين متعبين، وقد ضاقت صدورنا، واضطربت أعصابنا، وساءت أخلاقنا، فلا يكاد اثنان يتحدثان، حتى ينفجر الغضب وتثور الثائرة، وتتدفق الألفاظ النابية، إلى ما ترون من حالٍ كلكم تعرفونها، وقد تتعذرون لصاحبها بأنه صائم. ولا أستثني من ذلك أحدًا إلّا من عَصَم اللهُ.