للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ثم لم يَقُل: (أُعدَّتْ لكم) خطابًا كما قال تعالى: {فَاتَّقُوا} خطابًا؛ لأنه عَلِم (١) أن منهم مَن يُؤمِن، فقصَرَ الوعيدَ بالنار على طبقةِ الكفار.

قال الإمامُ أبو منصورٍ رحمه اللَّه: هذا ينقضُ على المعتزلة قولَهم؛ حيث خلَّدوا صاحبَ الكبيرةِ في النار، ولم يُطلقوا عليهم اسمَ الكفَّار، ففي زعمِهم أنها أعدَّت لغير الكفَّار أيضًا (٢).

ثم عندنا يجوز أن يعذَّب المؤمنُ العاصي فيها مدةً، فقد أَوْعَد اللَّه بالتعذيب بها في القرآن على أشياءَ، وثبت بالأحاديث المشهورةِ خروجُ المؤمنين منها بعدَ مدةٍ.

ثم الجمعُ بين هذه الآيةِ وبين غيرها في هذين الأمرين عند بعضهم: أن هذه النار واحدةٌ لكلِّ من فيها، لكنْ يتفاضلُ عقابهم فيها.

وقيل: هذه النار التي وقودُها الناس والحجارة هي للكفار خاصةً، ولغيرهم نارٌ غيرُها.

ولمَّا خوَّف بالنار الكافرين بشَّر بالجنة المؤمنين تحقيقًا لوصفِ (٣) كتابِه بالمثاني، ومَن تأمَّلَ في نَظْمه وجَد على الانتظام تثنيةَ المعاني، وقد شرحنا ذلك في الفاتحة.

وكذا نظمُ سورةِ البقرة، فإنه ذَكر الكتاب، وبيَّن أن الناس في حقِّه صنفان: مؤمنون وكافرون، وبينهما طبقةٌ لهم وصفان: إظهارُ الإيمان وإضمارُ (٤) الكفر، ولهم مَثَلان:


(١) في (ر): "عالم".
(٢) انظر: "تأويلات أهل السنة" (١/ ٤٠٢).
(٣) في (أ) و (ف): "لوصفه".
(٤) في (أ): "وإبطان".