للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

في حالة تبليغ الوحي، ولو جاز ذلك لبطل الاعتمادُ والتصديقُ واحتمالُ الغلط والخطأ قائم، ولأن اللَّه تعالى قال: {لَا يَأْتِيهِ الْبَاطِلُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَلَا مِنْ خَلْفِهِ} [فصلت: ٤٢]، وقال تعالى: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر: ٩].

فبَطَلت الوجوه كلُّها، ولم يبق إلا وجهٌ واحد، وهو أن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- سكت عند قوله: {وَمَنَاةَ الثَّالِثَةَ الْأُخْرَى} والشيطانُ حاضرٌ، فتكلَّم الشيطان بهذه الكلمات متَّصلًا بقراءة النبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم-، فوقع عند بعضهم أن النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- هو الذي تكلَّم بها، ويكون هذا إلقاءً في قراءة النبي -صلى اللَّه عليه وسلم-، وكان الشيطان يتكلَّم في زمن النبي -صلى اللَّه عليه وسلم- ويُسمَع كلامه؛ كما ذُكر عنه في اليوم الذي مكَروا بالنبيِّ -صلى اللَّه عليه وسلم- في دار الندوة، وإبليس ظهر يوم أحدٍ على صورة شيخ نجديٍّ ونادى: ألَا إن محمدًا قد قتل، وقال (١) يوم بدر: {لَا غَالِبَ لَكُمُ الْيَوْمَ مِنَ النَّاسِ وَإِنِّي جَارٌ لَكُمْ} [الأنفال: ٤٨].

وقيل: لمَّا استعجلوه بالعذاب تمنَّى أن يعجِّل اللَّه لهم بالعذاب فأبطأ، فألقى الشيطان في أمنيَّته وساوسَ؛ كما قال: {حَتَّى إِذَا اسْتَيْأَسَ الرُّسُلُ وَظَنُّوا أَنَّهُمْ قَدْ كُذِبُوا} [يوسف: ١١٠]، وقال: {وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ} [البقرة: ٢١٤]، وقولُه تعالى: {فَيَنْسَخُ اللَّهُ مَا يُلْقِي الشَّيْطَانُ}؛ أي: يزيله عن القلب {ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ}؛ أي: يُلهِمه صدقَ مواعيده.

وعلى التأويل الأول: فيُبْطِلُ اللَّه تعالى ما تكلَّم به الشيطان؛ أي: يُظهِرُ بطلانَه بالوحي بعده، {ثُمَّ يُحْكِمُ اللَّهُ آيَاتِهِ} فيُثْبِتها (٢) ويحفظها عن لحوق الزيادة من الشيطان بها.

{وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ}: {عَلِيمٌ} بوقت إنزال العذاب وبقصد الشيطان {حَكِيمٌ} لا يدعُه حتى يكشفَه ويزيلَه.


(١) في (أ): "ونادى".
(٢) في (أ) و (ف): "يبقيها".