للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقيل: هو على حقيقته؛ أي: أحسنَ إلى أهل الزَّمان بي، حيثُ ملَّكني، ونفعَ النَّاسَ بحسْنِ تدبيري.

وقوله: {إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ}: فقالَ يعقوبُ: أَوَ كُنْتَ في السِّجن؟ قالَ: لا أشكو السِّجنَ، ولكنِّي أشكرُ الخلاصَ مِنَ السِّجنِ.

وقالوا: لم يذكرِ الخلاصَ مِن البئرِ؛ قيل: لأنَّ مدَّة ذلك كانت قصيرةً، ومدَّة تلك كانت طويلةً، ولأنَّ البئرَ كان بفعلِ إخوتِه فلم يرضَ بذِكْرِ ذلك بحضرتِهم لئلَّا يخجلوا، وكان السِّجنُ مِن أهل مصر فلم يبالِ بذكْرِ فعلِهم.

وقيل: كان إيقاعُهم إيَّاه في البئر لحسدٍ منهم (١)، فلم يخَفْ أنْ يكونَ عقوبةً له، والسِّجنُ كان بعدَ قولِه: {السِّجْنُ أَحَبُّ إِلَيَّ} [يوسف: ٣٣]، فخافَ أنْ يكونَ معاقبةً له أو معاتبةً، فعدَّ الخلاصَ منه غنيمةً عظيمةً.

قوله تعالى {وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ}: أي: من الباديةِ الَّتي يبدو فيها مَن كان دخلَها.

وإنَّما قال: {وَجَاءَ بِكُمْ مِنَ الْبَدْوِ}؛ لأنَّهم كانوا بادينَ بأرضِ كنعان، وهي باديةُ بلادِ فلسطين.

وقيل: قال ذلك لأنَّهم كانوا أهلَ مواشٍ.

وقوله تعالى: {مِنْ بَعْدِ أَنْ نَزَغَ الشَّيْطَانُ بَيْنِي وَبَيْنَ إِخْوَتِي}: قال ابنُ عبَّاس رضي اللَّه عنهما: ألقى الحسدَ في قلوبِ أخوتِه (٢).

وقال مقاتل بن حيَّان: أغرى الشَّيطانُ (٣).


(١) في (ف): "لحسد منهم فلم يذكره وذكره للسجن".
(٢) ذكره الماوردي في "تفسيره" (٣/ ٨٤)، والواحدي في "البسيط" (١٢/ ٢٥٣).
(٣) لم أقف عليه عن مقاتل. وقال أبو عبيدة في "غريب القرآن" (١/ ٣١٩): نزغ: أفسد وحمل بعضنا على بعض.