للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والدليل على أنه ليس لنفي جوازِ الرؤية بل هو نفيُ طاقة موسى ما ذُكر بعده، وهو قوله تعالى:

{وَلَكِنِ انْظُرْ إِلَى الْجَبَلِ فَإِنِ اسْتَقَرَّ مَكَانَهُ فَسَوْفَ تَرَانِي}: علَّق الرؤيةَ باستقرار الجبل، وهو أمرٌ متصوَّرٌ، فدل على تصوُّر ما عُلِّق به.

وقوله تعالى: {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ}: أي: ظهَر، يقال: جَلَوْتُ الشيء جلاءً وجلَّيْتُه تجليةً؛ أي: أظهرتُه، فانجلَى وتجلَّى؛ أي: ظهر، والمراد به -واللَّهُ تعالى أعلمُ-: أعطَى الجبل رؤيتَه وجعَل له حياةً وعلمًا علِم به أنه رآه، وهو دليل آخر على أن اللَّه عز وجل جائزُ الرؤية.

وقوله تعالى: {جَعَلَهُ دَكًّا} قرأ أهل المدينة وأبو عمرٍو: {دَكًّا} منوَّنًا غيرَ ممدودٍ هاهنا وكذا في سورة الكهف، ومعناه: مدكوكًا؛ أي: مدقوقًا، مصدر بمعنى المفعول.

وقرأ عاصم كذلك هاهنا، وقرأ الذي في سورة الكهف ممدودًا بلا تنوين.

والباقون قرؤوهما ممدودًا بلا تنوينٍ (١)، وهو تأنيثُ الأدكِّ، يقال: ناقةٌ دكَّاءُ: إذا ذهب سنامُها؛ أي: جعَلها مستويةً بالأرض لا أكَمةَ فيها.

وقال الحسن وسفيان وأبو بكر الهذلي: ساخ في الأرض (٢).


(١) انظر: "السبعة" (ص: ٢٩٣)، و"التيسير" (ص: ١١٣).
(٢) ذكره عنهم الواحدي في "البسيط" (٩/ ٣٣٧)، وعن الحسن وسفيان الماوردي في "النكت والعيون" (٢/ ٢٥٨). ورواه عن سفيان الطبريُّ في "تفسيره" (١٠/ ٤٢٨)، وعن أبي بكر الهذلي بمعناه، ولفظه: (انْقَعَر فدَخل تحت الأرض فلا يَظهرُ إلى يوم القيامة). وقد روي اللفظ أعلاه مرفوعًا، رواه الترمذي (٣٠٧٤) من طريق سليمان بن حربٍ عن حماد بن سَلَمَة، عن ثابتٍ، عن أنسٍ أنَّ النبيَّ -صلى اللَّه عليه وسلم- قرأ هذه الآيةَ {فَلَمَّا تَجَلَّى رَبُّهُ لِلْجَبَلِ جَعَلَهُ دَكًّا} قال حَمَّادٌ: هكذا، وأَمسك سليمانُ بطَرَف =