للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال السُّدِّي: كان يَعبد ما يَستحسِن من البقر، وعلى ذلك أخرج السامري عجلًا جسدًا له خوارٌ فقال: {هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى} [طه: ٨٨] (١).

وقرأ ابن مسعود رضي اللَّه عنه: (وإلاهَتَك)؛ أي: عبادتَك، فلا يعبدُك كما نعبدُك نحن، وكذا قرأ ابن عبَّاس رضي اللَّه عنهما وبكر بن عبد اللَّه والشعبي والضحاك وابن إسحاق (٢)، وقال مجاهد: هو الصحيح؛ لأنَّه كان يُعبَد ولا يَعبُد (٣).

وقيل في جوابه: يحتمِلُ أنه كان يَعبد ويُعبد، وقوله تعالى: {مَا عَلِمْتُ لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرِي} [القصص: ٣٨] و: {أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى} [النازعات: ٢٤]، هو على التخصيص؛ لأنه لم يقل: ما علمتُ من إلهٍ غيري، و: أنا الربُّ الأعلى.

وقيل: في تأويل قراءة هؤلاء: (وإلاهتَك): لم يُرَدْ به: وعبادتَك، بل الإلاهةُ اسمٌ للشمس، وهو كان يَعبد الشمس، قال الشاعر:

وأعجلنا الإلاهة أن تؤوبا (٤)

وإنما اعترضوا عليه بهذا وعارَضوه وأنكروا عليه فعلَه مع أنهم يعتقدون أنه ربُّهم وهم عبيده؛ لأنه جرى على خلاف عادة الملوك في ترك السَّطوة عند ظهور المُعارِض الَّذي يخاف منه على المملكة.


(١) رواه الطبري في "تفسيره" (١٠/ ٣٦٧).
(٢) تنسب لابن مسعود وابن عباس وعلي وغيرهم. انظر: "المختصر في شواذ القراءات" (ص: ٥٠)، و"المحتسب" (١/ ٢٥٦)، و"الكشاف" (٢/ ١٤٢)، و"المحرر الوجيز" (٢/ ٤٤١)، و"البحر" (١٠/ ٢٥٤).
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" (١/ ١٢٢)، و (١٠/ ٣٦٨ و ٣٦٩) عن مجاهد وابن عباس.
(٤) عجز بيت لبنت عتيبة بن الحارث اليربوعي. انظر: "الجيم" لأبي عمرو الشيباني (٣/ ٢٢٥)، و"تفسير الطبري" (١٠/ ٣٦٩)، وتقدم في أول الكتاب.