للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

والإقرارُ بالوزن يومَ القيامة من شرائط السنَّة والجماعةِ، واللَّه تعالى أعلمُ بكيفيته.

وقوله تعالى: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ}: إنما جُمع لأن الأعمال كثيرةٌ، فيَحتمل أنه يوزن (١) كلُّ جنسٍ ويكون ذلك موزونًا بميزانٍ، ثم يوزن جنسٌ آخر، فتحصل موزوناتٌ كثيرة، فلذلك جمعها.

وقيل: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ} معناه (٢): فالذين ثقلت موازينُهم، و (مَن) للجنس


= وقال الزجاج: اختلف الناس في ذكر الميزان في القيامة، وجاء في بعض التفسير أنه ميزان له كِفَّتَان، وأن الميزانَ أُنزلَ إِلى الدنيا ليتعامل الناس بالعدل وتوزن به الأعمال، وقال بعضهم: الميزانُ العدلُ. . . وقال بعضهم: الميزانُ الكتابُ الذي فيه أعمال الخلق، وهذا كله في باب اللغة والاحتجاج سائغ، إِلا أن الأوْلَى مِن هذا أن يُتّبَع ما جاء بالأسانيد الصحاح، فإن جاء في الخبر أنه ميزان له كِفَّتان -من حيث يَنقُلُ أهلُ الثقة- فينبغي أن يُقْبَلَ ذلك، وقد روي عن جرير [ولعل الصواب: جويبر] عن الضحاك أن الميزانَ العدلُ، واللَّه أعلم بحقيقة ذلك، إلا أن جملة أعمال العبادِ موزونةٌ على غاية العدل والحق، وهو قوله: {فَمَنْ ثَقُلَتْ مَوَازِينُهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ}. انظر: "معاني القرآن للزجاج" (٢/ ٣١٩).
قلت: وقول الجمهور من أن المراد حقيقة الوزن والميزان هو الأرجح؛ للحديث، ولعدم الضرورة التي تدعو إلى صرف الكلام عن ظاهره، ولأن هذا لو جاز لفتح بابًا للتأويل لا ينتهي كما أشار القشيري فيما نقله عنه القرطبي حيث قال: إِذْ لو حُمِلَ الميزانُ على هذا فليحمل الصراط على الدِّين الحقِّ، والجنةُ والنارُ على ما يَرِدُ على الأرواحِ دونَ الأجسادِ، والشَّياطينُ والجنُّ على الأخلاقِ المذمومةِ، والملائكةُ على القُوى المحمودة. وقد أَجمعت الأُمةُ في الصدرِ الأولِ على الأخذِ بهذه الظواهِر من غيرِ تأويل، وإذا أجمعوا على منع التأويل وَجَب الأخذُ بالطاهر، وصارت هذه الظواهرُ نصوصًا. انظر: "تفسير القرطبي" (٩/ ١٥٦).
(١) في (ف): "يزن".
(٢) في (ر): "فيحتمل معناه".