للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(٥) - {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}.

وقوله تعالى: {فَمَا كَانَ دَعْوَاهُمْ إِذْ جَاءَهُمْ بَأْسُنَا إِلَّا أَنْ قَالُوا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ}: قال الكلبيُّ: أي: دعاؤهم؛ يعني: لَمَّا جاءهم أوائل العذاب اعترفوا على أنفسهم بالشِّرك والظُّلم، ولم ينفعهم ذلك، كما قال فرعون لمَّا أدركه الغرق: {آمَنْتُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا الَّذِي آمَنَتْ بِهِ بَنُو إِسْرَائِيلَ وَأَنَا مِنَ الْمُسْلِمِينَ} [يونس: ٩٠]، فقد قيل له: {آلْآنَ وَقَدْ عَصَيْتَ قَبْلُ وَكُنْتَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ} [يونس: ٩١].

وقيل: {دَعْوَاهُمْ}: دعاؤهم (١) على أنفسهم بالويل، كما قال: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ} [الأنبياء: ١١]، إلى أن قال: {يَاوَيْلَنَا إِنَّا كُنَّا ظَالِمِينَ (١٤) فَمَا زَالَتْ تِلْكَ دَعْوَاهُمْ حَتَّى جَعَلْنَاهُمْ حَصِيدًا خَامِدِينَ} [الأنبياء: ١٤ - ١٥].

وقيل: هو الدُّعاء بالخلاص، لكن ضاق الوقت فالتجؤوا (٢) إلى الاعتراف، فقام مقام الدُّعاء.

وقال الإمام القشيريُّ رحمه اللَّه: {وَكَمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا} ركنوا إلى الغفلة، واغترُّوا بطول المهلة، فباتوا في خفض الدَّعَة، وأصبحوا في ظلِّ (٣) السَّعة، فصادفَتْهم البلايا بَغتة، وأدركتهم القضايا فجأة، فلا البلاء كُشف عنهم، ولا الدُّعاء سُمع منهم، ولا فِرارٌ نفعَهم، ولا صريخٌ منعَهم، حتى بادوا فلا عين ولا (٤) أثر، ولا ذكر ولا خبر؛ تلك {سُنَّةَ اللَّهِ فِي الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا} [الأحزاب: ٦٢]، وإذا أنزلَ بأسه بالآخِرين، فلا يملكون كشفَ الضُّرِّ عنهم ولا تحويلًا (٥).


(١) "دعاؤهم" ليس في (ف).
(٢) في (ف): "بالتجاوز".
(٣) في (أ): "حال".
(٤) "عين ولا" ليس في (أ).
(٥) انظر: "لطائف الإشارات" للقشيري (١/ ٥١٩)، وفيه: (بادوا وكأنه لا عين ولا أثر، ولا لأحد منهم =