للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقد وردت المغايَبةُ بعد المخاطبة أيضًا قال تعالى: {حَتَّى إِذَا كُنْتُمْ فِي الْفُلْكِ وَجَرَيْنَ} [يونس: ٢٢].

وقال النابغة:

يا دارَ ميَّةَ بالعلياءِ فالسَّندِ... أَقْوَتْ وطالَ عليها سالفُ الأبدِ (١)

رجَع في هذا من المخاطَبة إلى المغايَبة.

وقال آخرُ ورجَع عن المغايَبة (٢) إلى المخاطَبة:

يا ويحَ نفسي كان جِدَّةُ خالدٍ... وبياضُ وجهِكَ للتُّرابِ الأَعْفرِ (٣)

ثم اللطيفةُ فيه هاهنا: أن المحبَّ إذا ابتدأ عاتَبَ وإذا انبسَط خاطَبَ.

ومنهم مَن جعَل ابتداءَ هذه المخاطبة من قوله عزَّ وجلَّ: (مالِكَ يومِ الدِّين) على قراءةِ مَن نصب الكافَ على النداء، ومَن قرأ: (ربَّ العالَمين) على النصبِ جعَل الابتداءَ من ذلك، ومَن جعلَهما نصبًا على المدح أو على القطع كان على المغايَبة بناءً على افتتاحِ السُّورة.

وقولُه عليه السلام في حديث القِسمة: "هذا بيني وبينَ عَبْدي نصفَين" (٤)، أشار الإمامُ أبو منصورٍ رحمه اللَّه إلى معنيَين فيه:


(١) انظر: "ديوان النابغة الذبياني" (ص: ٣٠).
(٢) في (ر): "من الغائبة".
(٣) البيت لأبي كبير الهذلي. انظر: "ديوان الهذليين" (٢/ ١٠١)، و"تفسير الطبري" (١/ ١٥٦)، و"تأويل مشكل القرآن" لابن قتيبة (ص: ٢٢٣)، و"المستقصى" للزمخشري (١/ ٦٧). والشاهد فيه قوله: وبياض وجهك، وكان حقه: وبياض وجهه. وتسمية المؤلف لما هنا بالمخاطبة والمغايبة قد سماها غيره: الالتفات. انظر: "الكشاف" (١/ ١٣)، و"البحر" (١/ ٧٣).
(٤) قطعة من حديث رواه مسلم (٣٩٥) عن أبي هريرة رضي اللَّه، وتقدم بتمامه.