للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وبهذا ظهر (١) علوُّ درجة نبيِّنا محمدٍ -صلى اللَّه عليه وسلم- على موسى -صلى اللَّه عليه وسلم- بقوله (٢): {إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا} [التوبة: ٤٠]، وقال (٣) موسى صلوات اللَّه عليه: {إِنَّ مَعِيَ رَبِّي} [الشعراء: ٦٢]، وهو معنًى لطيفٌ وعِلمٌ شريفٌ.

فإنْ قيل (٤): لمَ كرَّر {إِيَّاكَ} ولو اكتفى بالأول صحَّ؟

قلنا: لأن (إيا) (٥) في أول الكلام كالكافِ في آخره، ولو قال: نعبدُك ونستعينك، احتِيج إلى تكرار الكاف، فكذلك (٦) (إِيّا)، ولأن تكراره تحقيقٌ لكلِّ واحدٍ منهما مفردًا؛ أي: نعبدك لا غير ونستعين بك لا غير.

وقوله تعالى: {نَعْبُدُ}: فالعبادةُ في اللغة لمَعَانٍ:

أحدها: التذليل (٧) والقهر؛ قال تعالى: {أَنْ عَبَّدْتَ بَنِي إِسْرَائِيلَ} [الشعراء: ٢٢]؛ أي: ذلَّلتهم وقهَرتهم، ومنه قولهم: طريقٌ معبَّدٌ؛ أي: مذلَّلٌ بكثرةِ الوطء، قال الشاعر:

تُباري عِتَاقًا ناجياتٍ وأَتْبعَتْ... وظيفًا وظيفًا فوق مَوْرٍ معبَّد (٨)


(١) في (أ): "ولهذا ظهر"، وفي (ف): "وبهذا أظهر".
(٢) في (ر): "حيث قال"، بدل: "بقوله".
(٣) في (أ): "وقول".
(٤) في (ف) و (أ): "ولا يقال".
(٥) في (ر) و (ف): "إياك".
(٦) في (أ): "وكذا"، وفي (ف): "فكذا".
(٧) قوله: "التذليل" كذا في النسخ، ولعل الأولى: (التذلُّل)، كما في "الغريبين" للهروي (مادة: عبد)، و"تفسير القرطبي" (١/ ٢٢٣)، وسيأتي إشارة لهذا في كلام المصنف. أما التذليل فهو معنى التعبيد كما في "النكت والعيون" للماوردي (٤/ ١٦٨).
(٨) البيت لطرفة من معلقته، وهو في "شرح القصائد السبع الطوال الجاهليات" لابن الأنباري =