للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

السَّماء، فالكنايةُ راجعةٌ إلى الكلِّ، ومعناه: إنْ تُمِتهُم (١) على الكفرِ، وتُعذِّبهم بالنَّار لذلك، فلك الحكمُ في مَلكِكَ (٢) ومِلكك.

ووجهٌ آخر: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ} للحال (٣) {فَإِنَّهُمْ عِبَادُكَ}، {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ}؛ أي: وإنْ تُؤخِّر العذابَ عنهم في الحال إلى الآخرة.

وقوله تعالى: {فَإِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ}؛ أي: المنتقمُ مِنهم في الآخرة، وتأخيرُ العذابِ يُسمَّى مغفرةً، قال تعالى: {وَإِنَّ رَبَّكَ لَذُو مَغْفِرَةٍ لِلنَّاسِ عَلَى ظُلْمِهِمْ} [الرعد: ٦]، قيل: على كفرهم، وقال تعالى: {وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ} [الكهف: ٥٨]، وقال تعالى: {وَمَنْ عَصَانِي فَإِنَّكَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [إبراهيم: ٣٦] على ذلك.

وقيل: {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ}؛ أي: وإن تَهدِهم وتغفرْ لهم بذلك، فإنَّك أنت المنيعُ في سُلطانِك {الْحَكِيمُ} في أمرك، لا مانعَ لك عن مغفرتِهم، ولا شيءَ منك إلَّا وفيه الحكمةُ البالغة.

وإن حمل هذا على خطابه يوم القيامة، فمعناه الخصوص مِن العموم، فإن قوله: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ} هذا عامٌّ، وقوله: {مَا قُلْتُ لَهُمْ} كذلك، ثمَّ مِنهم مَن ثبتَ على مقالتِه الشَّنيعة، ومنهم من أسلمَ ورجعَ عن ذلك، وحضرَ الفريقان جميعًا يوم القيامة، فيكون قوله: {إِنْ تُعَذِّبْهُمْ} إشارةً إلى الكفَّارِ منهم، {وَإِنْ تَغْفِرْ لَهُمْ} إشارةً إلى المؤمنين منهم، ثمَّ في قراءة ابن مسعود رضي اللَّه عنه: (وإن تغفر لهم فإنك أنت الغفور الرحيم) (٤)، وهو ظاهرُ المعنى في نظم الآية.


(١) في (أ): "تميتهم".
(٢) في (أ): "ملك".
(٣) من قوله: "لذلك فلك الحكم" إلى هنا ليس في (ف).
(٤) انظر القراءة في "تفسير أبي الليث" (١/ ٤٦٩)، و"تفسير البغوي" (٣/ ١٢٣).