للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بعدَه وهو قوله جل جلاله: {قَالَ اللَّهُ هَذَا يَوْمُ يَنْفَعُ الصَّادِقِينَ صِدْقُهُمْ}، وهو في يوم القيامة.

وعن ابن عبَّاسٍ وعطاءِ بن السَّائب كذلك، قال عطاء: فأرعدَ عيسى حتَّى سقطَ إلى الأرض، وهو يقولُ: سبحانك.

وروي أنَّه تَتخلَّعُ مفاصِلُه، وتَسقطُ مِن كلِّ شعرةٍ منه قطرة دمٍ.

وهذا حالُ مَن لم يُذنِب، ويَعلمُ أنَّ اللَّه تعالى يَعلَمُ منه أنَّه لم يُذنِب، فكيف حالُ مَن غرِقَ في الذُّنوب إذا خاطَبه بالعِتاب علَّامُ الغيوب؟!

وقوله تعالى: {أَأَنْتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ}، وإنَّما خاطبَ بذلكَ عيسى دون النَّصارى؛ لأنَّهم في غاية البغضِ عند اللَّه؛ لغاية فحشِ ما تَكلَّموا به، قال تعالى: {كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ} [الكهف: ٥]، وقال تعالى: {تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا} [مريم: ٩٠]، وهذا كقولِه تعالى: {وَإِذَا الْمَوْءُودَةُ سُئِلَتْ (٨) بِأَيِّ ذَنْبٍ قُتِلَتْ} [التكوير: ٨ - ٩]، ولأنَّ عيسى عليه السَّلام أصدقُ النَّاسِ كلِّهم عند النَّصارى، فألزمَهم كذبَهم بقولهم، ثمَّ عذَّبَهم.

وقوله تعالى: {قَالَ سُبْحَانَكَ} نزَّهَ اللَّه تعالى عن كلِّ سوءٍ أوَّلًا، ثمَّ قال: {مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقّ}؛ أي: ما يَنبغي لي أنْ أقولَ ذلك، وهو ظاهرُ البطلان، وقد قلتُ في الصِّغرِ: {إِنِّي عَبْدُ اللَّهِ} [مريم: ٣٠]، فكيف أقول بخلافه في الكِبَر؟

وقوله تعالى: {إِنْ كُنْتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ} وهذا اعتذارٌ حسنٌ واضح.

وقوله تعالى: {تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي}؛ أي: في ذاتي، {وَلَا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ}؛ أي: في ذاتك (١).

وقال ابنُ عبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما: تَعلمُ ما في غيبي، ولا أعلمُ ما في غيبِك (٢).


(١) قوله: "أي في ذاتك": من (ر).
(٢) ذكره البغوي في "تفسيره" (٣/ ١٢٢).