للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولمَّا كان السُّؤالُ سؤالَ زيادةِ العلم، لا سؤالَ التَّعنُّتِ، أجابَهم إلى ذلك، وهو قولُه تعالى: {قَالَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ اللَّهُمَّ رَبَّنَا أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ} قال ابنُ عبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما: قال عيسى لبني إسرائيل: هل لكم أنْ تَصوموا للَّه ثلاثين يومًا، ثمَّ تَسألونَه، فيُعطيَكم ما سألتُم، فصاموا (١).

ثمَّ إنَّ عيسى عليه السَّلام لبسَ الشَّعر وقام وصلَّى، ونُبيِّنُ كيفيَّةَ ذلك بعد هذا في القصَّةِ إنْ شاءَ اللَّه تعالى.

ثم دعا عيسى، فقال: {اللَّهُمَّ}؛ أي: يا اللَّه {رَبَّنَا}؛ أي: يا ربَّنا، {أَنْزِلْ عَلَيْنَا مَائِدَةً مِنَ السَّمَاءِ}.

{تَكُونُ لَنَا عِيدًا لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} {تَكُونُ} رُفِع لأنَّه مستقبلٌ ذُكِر بطريقِ الصِّفةِ لا الجزاء، ولو كان جزاءً لجُزِم، وفي قوله تعالى: {فَهَبْ لِي مِنْ لَدُنْكَ وَلِيًّا (٥) يَرِثُنِي وَيَرِثُ} [مريم: ٥ - ٦] قرئ بقراءتَين؛ بالجزم للجزاء، وبالرَّفع للصَّفة (٢)، وتقديرُه: مائدةً كائنةً لنا عيدًا.

وقوله: {عِيدًا}؛ أي: طعامًا يُعادُ إليه مرَّةً بعد مرَّةٍ.

وقيل: أي: يكونُ ذلك اليومُ الذي تَنزِل فيه المائدةُ عيدًا باقيًا، كالأعيادِ لأهل كلِّ شريعةٍ، تعظيمًا لذلك اليوم، وأضافَهُ إلى المائدة، فقال: {وَنَكُونَ}، لثبوت ذلك اليوم بسببها (٣).

وقيل: إنَّها نَزلَت في يوم الأحد، وهو عيدُ النَّصارى.

وقوله تعالى: {لِأَوَّلِنَا وَآخِرِنَا} على القولِ الأوَّل (٤)؛ أي: يأكلُ منها


(١) رواه الطبري في "تفسيره" (٩/ ١٢١)، وابن أبي حاتم في "تفسيره" (٤/ ١٢٤٤) (٧٠١٦).
(٢) "يرثْني ويرثْ" بالجزم هي قراءة أبي عمرو والكسائي، وقرأ الباقون بالرفع فيهما. انظر: "السبعة" (ص: ٤٠٧)، و"التيسير" (ص: ١٤٨).
(٣) في (ر) و (ف): "تشبيها" بدل: "بسببها".
(٤) يعني: على القول بأنها طعام يعاد إليه مرة بعد مرة.