للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لا يَدخلان فيه؛ لأنَّهما يُولدان في البرِّ، والبَحرُ لهما مرعى، كما هو للنَّاس متجر (١).

وقوله تعالى: {وَطَعَامُ} رويَ عن أبي بكرٍ وعمرَ وابنِ عبَّاسٍ وابنِ عمر وقتادة رضي اللَّه عليهم: أنَّ الطَّعامَ ما قذفَهُ البحرُ (٢).

ومِنهم مَنْ أحلَّ الطَّافي لظاهرِ هذا التَّفسير، ولا يَستقيمُ ذلك؛ فإنَّ الأحاديثَ وردَت في تَحريمِه، وهذا فيما قذفَ فماتَ بآفةٍ (٣).

وعن ابن عباسٍ في روايةٍ أُخرى: الصَّيدُ هو الطَّريُّ منه (٤)، والطَّعامُ هو المملَّحُ منه، ويَدلُّ عليه ما بعدَهُ، وهو قولُه: {مَتَاعًا لَكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ}؛ أي: للعيرِ وهم القومُ المسافرون، وقوله تعالى: {مَتَاعًا لَكُمْ}؛ أي: متعةً ومنفعةً، والطَّري منه منفعةٌ للحاضرين، والمملَّحُ مِنه للمسافرين، ثمَّ هذا يَقعُ على السَّمك (٥) خاصَّة.

وعند الشَّافعيِّ رحمه اللَّه: كلُّ حيوانٍ في البحرِ فهو حلالٌ (٦) لإطلاقِ هذا النصّ، ولما روى جابرُ بنُ عبد اللَّه قال: بعثَنا رسولُ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم- في سريَّةٍ، وأمَّرَ علينا أبا عبيدة بنَ الجرَّاح، نَتلقَّى عِيرًا لقُريش، وزوَّدنا جِرابًا مِن تمرٍ، وكان أبو عبيدة رضي اللَّه عنه يُعطينا تمرةً تمرة، فكنَّا نَمَصُّها كما يَمَصُّ الصَّبيُّ، ثمَّ نشربُ عليها الماءَ، فيَكفينا يومًا إلى اللَّيل، فأصَبنا على ساحلِ البحرِ كهيئةِ الكثيبِ الضَّخم دابَّةً ميتةً تُدعى العنبر، فقال أبو عبيدة: نحن رُسُل رسولِ اللَّه -صلى اللَّه عليه وسلم-، وفي سبيلِ اللَّه، وقد اضْطُررِتُم فكُلوا، فأَقمنا عليها شهرًا، ونحن ثلاث مئةٍ، حتَّى سمِنَّا، ولقد رأيتُنا نَغترِفُ مِنْ وَقبِ عينِها


(١) كذا في النسخ، ولعل صوابها: "متجر".
(٢) روى أقوالهم الطبري في "تفسيره" (٨/ ٧٢٦ - ٧٣٠).
(٣) مذهب أبي حنيفة تحريم السمك الطافي. وانظر الخلاف حول ذلك في "تفسير القرطبي" (٨/ ٢١٠ - ٢١٣).
(٤) رواه الطبري في "تفسيره" (٨/ ٧٢٣، ٧٣١).
(٥) في (ف): "المسافرين".
(٦) انظر: "روضة الطالبين" للنووي (٣/ ١٤٧).