للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

خلقةً مِن النَّعم الأهليِّ، فيجبُ في حمارِ الوحشِ بقرةٌ، وفي النَّعامةِ جملٌ، وفي الظَّبي شاةٌ، وفي الأرنب عناقٌ أو جَدْيٌ، وفي اليَرْبوع جَفْرة (١)، فإن لم يكن له مثلٌ صورةً، كالحمامةِ والطَّيرِ الآخرِ يُشترى بقيمتِه هديٌ، وإن حكما بالطَّعام أو الصَّوم -كما قال أبو حنيفة وأبو يوسف رحمهما اللَّه- فصار الاختلافُ في موضعَين، فيمن له الخِيار، وفي معنى المثل، وعن عمر: أنه أوجبَ المثلَ صورةً، وجعل الخيارَ للحكمين.

وروي عن قَبيصةُ بنُ جابر: أنَّه أصاب ظبيًا وهو مُحْرِمٌ، فسألَ عمرَ رضي اللَّه عنه، فشاورَ عبدَ الرَّحمن بنَ عوف، ثمَّ أمرَهُ أنْ يَذبحَ شاةً، فقال قَبيصةُ بنُ جابرٍ لصاحبِه: واللَّهِ ما عَلِمَ أميرُ المؤمنين حتَّى سألَ غيرَهُ، فأقبلَ عمرُ رضيَ اللَّه عنه يَضرِبُه بالدِّرَّةِ، ويقول: أتغْمَصُ (٢) الفُتيا، وتَقتلُ الصَّيدَ وأنت محرم؟! قال اللَّه تعالى: {يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ}، فأنا عمرُ وهذا عبدُ الرَّحمن بنُ عوف (٣).

ومذهبُ أبي حنيفة وأبي يوسف رحمة اللَّه عليهما مرويٌّ عن ابنِ عبَّاسٍ (٤) وجماعةٍ مِن الصَّحابة والتَّابعين، وهو أوفقُ للأصول والمعقول؛ لأنَّ النَّصَّ أوجبَ المِثلَ، والمِثلُ المطلَقُ في الكتاب والسُّنَّة وإطلاقِ الأمَّة مقيَّدٌ بالصُّورة والمعنى، أو المعنى بلا صورة، فأمَّا الصُّورةُ بلا معنى، فلا، ولأنَّ التَّحكيمَ مع شرطِ العدالةِ لا يَليقُ بمعرفةِ الصُّورة التي لا تحتمِلُ الكذبَ، وإنَّما يَليقُ بمعرفةِ القيمة التي تَتفاوتُ، ولأنَّ القيمةَ مرادةٌ هاهنا في الذي لا مثلَ له صورةً بالإجماع، فلا يبقى غيرُها مرادًا؛ لأنَّ الاسمَ المشتركَ لا عمومَ له.


= "الأم" (٣/ ٤٧٩ - ٤٨٠).
(١) الجفرة من أولاد المعز. انظر: "مختار الصحاح" (مادة: جفر).
(٢) الغمص: الاستصغار. انظر: "مختار الصحاح" (مادة: غمص).
(٣) رواه الطبري في "تفسيره" (٨/ ٦٩٠ - ٦٩١).
(٤) رواه الطبري في "تفسيره" (٨/ ٦٨٣).