للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قتلِ كلِّ صيدٍ، فيَدخلُ فيه عندنا ما يُؤكلُ لحمُه وما لا يُؤكَلُ لحمُه، إلَّا الخمسَ الفواسِقَ المستثناةَ في الخبر، وهو قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "خمسٌ فواسقُ يُقتلن في الحلِّ والحَرَم؛ الحيَّةُ، والعقربُ، والفأرةُ، والحدأةُ، والكلبُ العقور" (١)، ويُلْحَقُ بها ما ابتدَأ فعَدا على الآدميِّ، فقتلَهُ ذابًّا عن نفسِه.

وعند الشافعيِّ رحمه اللَّه عنه: إذا قتلَ صيدًا غير مأكول اللحمِ لم تَلزمهُ كفَّارتُه (٢)، وحُجَّتُنا فيه: قوله -صلى اللَّه عليه وسلم-: "الضّبع صيدٌ، وفيه كبشٌ إذا قتلَهُ المحرِم" (٣).

وإذا قتل الصيدَ متعمِّدًا، فعليهِ الجزاءُ بالنَّصِّ، فأمَّا إذا قتلَهُ مخطِئًا، فقد قال ابنُ عبَّاسٍ رضي اللَّه عنهما وعطاءٌ وسالمٌ والقاسمُ -وهو مذهب داودَ بنِ عليٍّ-: لا شيء عليه؛ لأنَّ النَّصَّ في المتعمِّدِ (٤)، وقلنا: التَّنصيصُ لا يَدلُّ على التَّخصيص.

وقال الحسنُ ومجاهد: إنَّما يَجِبُ على مَنْ كان مُتعمِّدًا لقتلِ الصَّيدِ، ناسيًا لإحرامه (٥)، ولو كان ذاكرًا لإحرامِه، فلا جزاءَ عليه في الدُّنيا، بل جزاؤهُ الانتقامُ في الآخرةِ؛ لآخرِ هذه الآية.

وقلنا: النَّصُّ مطلَقٌ، فإنْ كان في ناسي الإحرام فإنَّه في العمدِ يَدلُّ على الوجوبِ


(١) رواه البخاري في "صحيحه" (٣٣١٤)، ومسلم (١١٩٨) من حديث عائشة رضي اللَّه عنه.
(٢) انظر: "الأم" للشافعي (٣/ ٤٩٦).
(٣) رواه ابن خزيمة في "صحيحه" (٢٦٤٨)، والدارقطني في "سننه" (٢٥٤١)، والحاكم في "المستدرك" (١٦٦٣) من حديث جابر رضي اللَّه عنه.
(٤) رواه ابن أبي شيبة في "المصنف" (١٥٢٩٥) عن ابن عباس. وذكره عنه وعن عطاء وسالم والقاسم الجصاصُ في "أحكام القرآن" له (٤/ ١٣٣)، والماتريدي في "تأويلات أهل السنة" (٣/ ٦١٨). وانظر: "المحلى" لابن حزم (٥/ ٢٣٤).
(٥) روى قولهما الطبري في "تفسيره" (٨/ ٦٧٤ - ٦٧٦).