النطق يتقرر بالحروف بخلاف البطش، أَوْ بِجِنَايَةِ، أي ولو عجز عن بعضها بجناية، فَالمَذهَبُ لَا تُكَمَّلُ دِيَة، لئلا يتضاعف الغرم في القدر الذي أبطله الجاني الأول؛ والخلاف المذكور مرتب على الخلاف في المسألة قبلها.
وَلَوْ قَطَعَ نِصْفَ لِسَانِهِ فَذَهَبَ رُبْعُ كَلَامِهِ أَوْ عَكَسَ فَنِصفُ ديَةٍ، لأن منفعة العضو إذا ضمنت بديته اعتبر فيه الأكثر من العضو والمنفعة كما لو قطع الخنصر فشلت اليد وجبت دية يدٍ، وإن لم تشل وجب خمسٌ من الإبل وهي خُمْسُ ديتها، وإن كان الذاهب دون خُمس المنفعة، كذلك فيما ذهب من اللسان والكلام.
وَفِي الصَّوْتِ دِيَةٌ، لأن السنّة مضت بذلك كما رواه البيهقي عن زيد بن أسلم (١٩١)، فَإن أَبْطَلَ مَعَهُ، أي مع الصوت، حَرَكَةَ لِسَانٍ، فَعَجَزَ عَنِ التقطِيع وَالتَّردِيدِ فَدِيَتَان، لأنهما منفعتان مختلفتان في كل واحدة منهما إذا أفردت بالتفويت كمال الدية، فإذا فوّتتا وجبت ديتان، وَقِيلَ: ديةٌ, لأن المقصود الكلام، لكنه يفوت بطريقين؛ بانقطاع الصوت؛ وعجز اللسان عن الحركة، وقد يجتمع الطريقان وقد يوجد أحدهما خاصة.
وَفِي الذَّوْقِ دِيَةٌ، لأنه أحد الحواس الخمس، فأشبه الشم، وصور الجمهور المسألة بأن يجني على لسانه فيفقد لذة الطعام والتمييز بين الصوم الخمسة الآتية، وفيه إشكال لابن الصباغ، لأن النصَّ على أن في اللسان الأخرس الحكومة مع أن الذوق يذهب بذهابه فدل على أن في الذوق الحكومة وهو حسن وهو ماشٍ على المشهور: أن محل الذوق في اللسان، أما إذا قلنا: إنه في طرف الحلق فلا إشكال، ويُدْرَكُ بِهِ، أي بالذوقِ، حَلَاوَةٌ؛ وَحُمُوضَة؛ وَمَرَارَة؛ وَمُلُوحَة؛ وَعُذُوبَة، وَتوَزعُ، يعني الدية، عَلَيهِن، أي فإذا أبطل إدراك واحد وجب خُمس الدية وهكذا، فإن نَقَصَ فَحُكُومَةٌ،
(١٩١) عن زيد بن أسلم؛ قال: [مَضَتِ السنةُ في أَشْيَاءَ مِنَ الإنسَان، قالَ: وَفِي اللسَانِ الديةُ؛ وَفِي الصوتِ إِذَا انقَطَعَ الديةُ]. رواه البيهقي في السنن الكبرى: كتاب الديات: باب دية اللسان: الأثر (١٦٦٩٩).