للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

والثالث قول أبي ذؤيب١:

فنمنم في صحف كالريا ... ط فيهن إرث كتابٍ محي

فما نحسب أن ابن عامر كان يقصد إلى تشبيه وجه ذلك الفتى بالجلد، وإلا لكان وجهًا صفيقًا متينًا!! ولكنه -في رأينا- قصد إلى أن ذلك الوجه في نضارته ورونقه وبهائه وصفائه ومائه، وما شئت من هذه الأوصاف يشبه الورقة، ولا بد أن تكون هذه الورقة التي يشبه بها هذا الوجه فيها من هذه الصفات النضرة الصافية الرقيقة ما يصح معه التشبيه. ونرى كذلك في وصف حسان للورق بأنه "ورق قشيب"، وتشبيه أبي ذؤيب الصحف بأنها "كالرياط" ما يتسق مع ما قدمناه عن قول ابن عامر.

فقد استقام عندنا إذن أن الورق في هذه الأمثلة كلها شيء آخر غير الجلد أو الأديم، شيء أرق وأصفى، فما عسى هذا الورق أن يكون؟ إذا كنا ما زلنا في شك من أمر معرفة الجاهليين بالورق الصيني أو الخراساني بعد الذي قدمناه من حديث عنه، فإننا نكاد نظن أن عرب الجاهلية قد عرفوا ورق البردي. فقد رُوي أن خالد بن الوليد كتب كتاب الأمان لأهل الشام في سنة ٦٣٥م على القرطاس٢. ويسمى ابن النديم ورق البردي القرطاس المصري والطومار المصري٣. والقرطاس وارد في الشعر الجاهلي وأخبار الصحابة، ولكننا لا نستطيع أن نقطع بأن المقصود بالقرطاس فيها كلها هو ورق البردي؛ لأن من معاني القرطاس: قطعة من أديم تنصب للنضال فإذا أصابه الرامي قيل: قرطس٤.


١ ديوان الهذليين ١: ٦٤.
٢ البلاذري، فتوح البلدان "مصر": ١٢٧.
٣ الفهرست: ٣١.
٤ القاموس واللسان "قرطس".

<<  <   >  >>