وكان يمكن تصوُّرُ آيةٍ من الآيتين تنقُص فيها حالاتُ التيمُّم، أما وأنَّ الآيتين جاءتا لبيان حكم الوضوء والجنابة والتيمُّم، وذكرتا الحالات التي يُستعمل فيها التراب بدل الماء، وكانتا على نسقٍ واحدٍ، فإن النقص في الآيتين للحالات مستبعَدٌ تماماً. وعليه فإن لامستم لا يناسبها إلا تفسيرُها بالجماع. وممن ذهب إلى هذا التفسير علي بن أبي طالب وأبيُّ بن كعب وعبد الله بن عباس وهم أعلم الصحابة بتأويل كتاب الله، وفسَّرها كذلك أبوحنيفة ومجاهد وطاووس والحسن وسعيد بن جبير والشعبي وقتادة والطبري والشوكاني وهم من أشهر المفسرين لكتاب الله من السلف والخلف ومن أشهر الفقهاء. وهذا التفسير فضلاً عن أنه تفسيرٌ فقهي فهو أيضاً تفسير تحتمله اللغة وورد مثله في عدد من آيات القرآن الكريم، كقوله تعالى {ثم طلَّقْتُمُوهُنَّ مِن قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ} أي تجامعوهن، وقوله {وإنْ طلَّقْتُموهنَّ مِن قَبْلِ أِنْ تَمَسُّوهُن} أي تجامعوهن، وقوله {ولم يَمْسَسْني بَشرٌ} أي لم يجامعْني، ومثلها أو قريبٌ منها قوله تعالى {فالآن باشروهن} أي جامعوهُنَّ. وورد في الحديث عن المرأة التي تزني «لا تردُّ يدَ لامس» كناية عن الجماع بالسفاح. فالقرآن الكريم والسنة النبوية ذكرا اللمس والمسَّ والمباشرة بمعنى الجماع، فهي لغةٌ وهي شرعٌ وهي فقهٌ، وقد جاءت الآيتان الكريمتان بقراءتين {لامَسْتم} و {لمسْتم} وفرَّق محمد بن زيد بينهما في المعنى فقال: الأَولى في اللغة أن يكون لامستم بمعنى قبَّلتم أو نظيره لأن لكل واحد منهما فعلاً. وقال: ولمستم بمعنى غشِيتم ومسستم، وليس للمرأة في هذا فعلٌ. فصارت الآيتان تحتملان المعنيين لغة.