آية النساء خطابٌ للمؤمنين أن لا يقربوا مواضع الصلاة ـ أي المساجد ـ وهم سُكارى وأن لا يقربوها إذا كانوا جُنُباً إلا مروراً فقط حتى يغتسلوا من الجنابة. هذا هو صدر الآية، وأما نصفها الثاني فإنه أراد أن يبين للمسلمين حكم التيمُّمِ عند فقْد الماء، فأتى بالحالات التي يكون فيها المسلم محتاجاً إلى التيمُّم عند فَقْد الماء، فقال النِّصفُ الثاني {وإن كنتم مرضى} أي حالة المرض {أو على سفرٍ} أي حالة السَّفر، {أو جاء أحد منكم من الغائط} أي حالة الحَدَث الأصغر {أو لامستم النِّساء} أي حالة ... ، فلم تجدوا ماء فتيمَّموا. فالناظر في سياق الآية يجد أن الفراغ عقب {أو لامستم النساء} لا تناسبه إلا حالةُ الحَدَثِ الأكبر، ولا تناسبه حالة الحَدَثِ الأصغر، فبوضعِ حالة الحَدَثِ الأكبر في الفراغ تكتمل جميع حالات التيمم عند فَقْدِ الماء، ولكن إن وضعنا حالة الحَدَثِ الأصغر فإنَّ الحالات لا تكتمل، ويكون في الآية تكرارٌ لا يفيد معنى جديداً. ولذا فإن الأصل والأكرم للتعبير القرآني أن يُؤوَّل بما يفيد الكمال والتمام. فالصحيح إذن أن نقول إن الفراغ ينبغي ملؤُه بحالة الحَدَثِ الأكبر، أو حالة الجنابة هنا، وإذا كان ذلك كذلك فإنَّ لامستم تُفسَّر بالجماع، ولا تُفسَّر بمسِّ بدن المرأة.
أجل إن تركيب الآية وأسلوبها يقتضيان أن يكون المراد بالملامسة الجماع، فإنه سبحانه عدَّ من مقتضيات التيمُّمِ المجيءَ من الغائط تنبيهاً على الحَدَث الأصغر، وعدَّ الملامسة تنبيهاً على الحَدَثِ الأكبر، وهو مقابلٌ لقوله تعالى في الأمر بالغُسل بالماء {ولا جُنُباً إلا عابري سبيلٍ حتى تغتسلوا} ولو حُملت الملامسة على اللمس الناقض للوضوء لفات التنبيه على أن التراب يقوم مقام الماء في رفع الحدث الأكبر.