وعن سعد بن أبي وقاصٍ قال:"النَّاسُ عَلى ثَلاث مَنَازِلَ، فَمَضَتْ مَنْزِلَتَانِ وَبَقِيَتْ وَاحِدَة، فأحسن ما أنتم كائنونَ عليهِ أن تكونوا بهذه المنزلةِ التي بقيت، قال: ثم قرأَ: {لِلْفُقَرَاءِ المُهَاجِرِينَ} إلى قوله: {وَرِضْوَاناً} فهؤلاء المهاجرون، وهذه منزلةٌ قد مضت {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا الدَّارَ وَالإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ} إلى قوله: {وَلَو كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ} قال: هؤلاء الأنصارُ، وهذه منزلةٌ قد مضت، ثم قرأ:{وَالَّذَينَ جَاءوا مِنْ بَعْدِهِمْ} إلى قوله: {رَحِيمٌ} قد مضت هاتان، وبقيت هذه المنزلة، فأحسن ما أنتم كائنونَ عليه أن تكونوا بهذه المنزلة التي بقيت"، يقولُ: أن تستغفروا لهم، ولأن مَن جَاز سبُّهُ بعينهِ أو لعنته لم يجز الاستغفار له، كما لا يجوز الاستغفارُ للمشركين لقوله تعالى:{مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَو كَانُوا أُوْلِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الجَحِيم} وكما لا يجوز أن يستغفر لجنس العاصيين مُسمَّين باسم المعصية، لأن ذلك لا سبيل إليه، ولأنه شرع لنا أن نسأل الله أن لا يجعل في قلوبنا غِلاًّ للذين آمنوا، والسب باللسانِ أعظمُ من الغِلِّ الذي لا سبَّ معهُ، ولو كان الغِلُّ عليهم والسبُّ لهم جائزاً لم يشرع لنا أن نسأله ترك ما لا يضرُّ فِعْلهُ، ولأنه وَصَفَ مستحقي الفيء بهذه الصفة كما وَصَفَ السابقين بالهجرة والنصرة، فعُلم أن ذلك صفةٌ لهم وشرطٌ فيهم، ولو كان السبُّ جائزاً لم يشترط في استحقاق الفيء ترك أمرٍ جائزٍ كما لا يشترط ترك سائر المباحاتِ، بل لو لم يكن الاستغفارُ لهم واجباً لم يكن شرطاً في استحقاقِ الفيءِ (لأِنَّ استِحْقَاقَ الفَيء) لا يشترك فيه ما ليس بواجبٍ، بل هذا دليلٌ على أن الاستغفار لهم داخلٌ في عَقْد الِّدين