وفي معركة بدر أروعُ مثالٍ شاهدٍ على ذلك؛ فالمسلمون الثلاثُمائة الذين انتصروا في بدر كانوا عربًا ككفار قريش الذين بلغ عددُهم في بدر ألفًا، وأولئك أقرباء هؤلاء، ومن بلد واحد، وميزات واحدة، والسلاحُ الذي في يد الألف أكثرُ وأضر.
ولكن المسلمين كانوا يملكون من قوة العقيدة، وقوةِ الخُلُق، وقوةِ الروح ما لا يملكه أولئك الكفرة؛ فانهزم الكفرةُ هزيمةً سجلها القرآن كمثلٍ رائع يدل على ما تستطيع القوة المعنوية أن تحرزه من نصر على القوة المادية؛ إذا هي أخذت من قوة السلاح بالمستطاع، ولو كان أدنى نصيب؛ لأنها بذلك تستحق النصر والمدد الإلهي.
وكما ضربَ القرآنُ المثلَ بالأمة التي تجمع بين القوتين؛ فكذلك ضرب مثلًا للفرد الذي يجمع بين القوتين فَيُفْلِحُ وينجح بموسى -عليه السلام- حين سقى للفتاتين الماء بقوة عضل وجسم، ومشى معهما إلى أبيهما، لا يرتفع طرفُه إليهما عن حياء وتكرم، وخلق نبيل {قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَاأَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ} .