للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد ورد في التحصيل تبعاً للمحصول نسبة بعض الأقوال لبعض العلماء بصورة قاطعة، مع أن أولئك العلماء لم يقولوا بذلك بل وردت عباراتٍ في كتبهم توهم ذلك فنسبت لهم أقوالٌ لم يقولوها.

ومثال ذلك ما ورد في التحصيل (١) تبعاً للمحصول من أن الإِمام حجة الإِسلام الغزالي - رحمه الله - يقول: إنه لا بدّ من تحقّق العقاب على ترك الواجب. وبعد الرجوع للمستصفى للتحقّق من صحة نسبة هذا القول إليه، وجدت أن الإِمام الغزالي - رحمه الله - قد زيَّف التعريف الذي يقول: بأن

الواجب ما يعاقب على تركه. ثم قال: لأنه قد يعفى عن العقوبة، وزيف تعاويف أُخرى، ثم نقل تعريف القاضي أبي بكر الباقلاني - رحمه الله -، وهو: (ما يذم تاركه ويلام شرعاً بوجه ما). ولم يعترض عليه ثم نقل عن القاضي أبي بكر الباقلاني أنه قال: (لو أوجب الله علينا شيئاً ولم يتوعد بعقاب على تركه لوجب، فالوجوب إنما هو بإيجابه لا بالعقاب). ثم قال الغزالي: (وهذا فيه نظر، لأنه ما استوى فعله وتركه في حقنا فلا معنى لوصفه بالوجوب، إذ لا نعقل وجوباً إلّا بأن يترجح فعله على تركه بالإِضافة إلى أغراضنا، فإذا اقتضى الترجيح فلا معنى للوجوب أصلًا). انتهى ما ورد في المستصفى.

ولا أدري كيف نسب هذا القول للغزالي - رحمه الله - حيث إنه لم يصرّح بتحقق العقاب على ترك الواجب، بل زيّف التعريف الذي دل على ذلك، ولعلّ هذا قد صدر عنه في كتاب غير المستصفى، ولكن المعتمد في أقواله ما جاء في المستصفى، لأنه آخر ما صنّف في فن الأُصول وظهر فيه استقلال شخصيته وأما قوله: (وفيه نظر). بعد نقله ما نقل عن القاضي أبي بكر الباقلاني ليس كافياً في نسبة هذا القول إليه، بل قد يكون النظر من جهة أُخرى.


(١) انظر القسم التحقيقي من هذا الكتاب ص ١/ ٣١١، وانظر المستصفى طبع الفنية المتحدة
ص ٨٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>