للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعليهم المصبغات ومخانق البرم ويقولون كلما يكثر شربهم: هزهز وإيَّاهم عني السَّرِيّ (١) بقوله:

مجالس ترقص القُضاة بها ... إذا انتشوا في مخانق البرمِ

وصاحب يخلط المجون لنا ... بشيمة حلوة من الشِّيمِ

يخضب بالرَّاح شَيبه عبثاً ... أنامل مثل حمرة العَلَمِ

حتى تخال العيون شَيْبَتُه ... بشيبة عثمان ضُرِّجَتْ بدمِ

فإذا أصبحوا عادوا لعادتهم في التّرهب والتَّوقر والتحفظ لأبهة القضاء وحشمة المشايخ الكبراء. ذكره الثعالبي في "اليتيمة" (٢). وقد أساء السَّري الرَّفاء في تشبيهه.

وفي ترجمة الشرف عوض بن نصر الصُّوفي (٣) نقلاً عن ابن حجر أنه حصل منه يوماً غفلة فقال لبعض الطلبة: لأي معنى قال الزّمخشري في أوّل "المفَصَّل" (٤) الله أحمد وما قال إبراهيم أو موسى فضبطوها عليه، وعمد بعضهم إلى أسئلة من "المفَصَّل" مثل قوله: لمَ قال باب الموصول ولم يقل باب السّبابة ولم قال باب العَلَم ولم يقل باب الصنجق فشرع في تعليل ذلك جميعه فقال: لأن الموصول أسمي وحرفي فهو قسمان، والموصول قطعتان موصولتان وليست السّبابة كذلك. وقال له بعض الطلبة: أنت فيك عيب لأنه ما في القرآن على وزن اسمك ولا تسمى به أحد من أهل العلم فشرع يتتبع "الأجزاء" و"المعاجم"و"المشيخات" و"التواريخ" إلى أن جمع جزءًا سماه "شفاء المرض فيمن يسمى بعوض" وذكر في الخطبة أن في القرآن على وزن اسمه عنب. انتهى.

وذكر من نوادر المضحكات أيضاً في ترجمة الحافظ محمد بن زرزور (٥) أنه كان يحضر مناظرات الفقهاء فيكرمونه لكثرة حفظه فحضر يوماً جنازة وحضرها أبو المِنْهَال (٦)، وكان عظيم الجاه، رفيع القدر، فساله عن مسألة فأخطأ، ثم ثانية ثم ثالثة فقام ابن زرزور قائماً على قدميه ثم كَبَّر وصلى عليه كما يصلي على الموتى وقال: أنت أولى بأيُصلى عليك من هذا الميت. وقيل: إنه فعل ذلك بالقاضي سليمان بن عمران.


(١) واسمه (السَّري بن أحمد بن السَّري الرَّفُّاء) انظر ترجمته في "شذرات الذهب" (٤/ ٣٨١) و"الأعلام" (٣/ ٨١).
(٢) انظر "يتيمة الدهر" (٢/ ٣٣٦ - ٣٤٥) بتحقيق محمد محيي الدين عبد الحميد، القاهرة سنة ١٣٧٥ - ١٣٧٧ هـ.
(٣) سبقت ترجمته في القسم الأول برقم ٣٤٣٨.
(٤) انظر "المفصَّل" ولم يرد في النسخة المتوافرة بين أيدينا منه قوله: "وما قال إبراهيم وموسى".
(٥) سبقت ترجمته في القسم الأول برقم ٤١٠١.
(٦) واسمه (عوف بن ملحم الخُزاعي) انظر ترجمته في "فوات الوفيات" (٣/ ١٦٢) و"الأعلام" (٥/ ٩٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>